تبدو «البكائيات العربية» على مصير وادي الأردن والضفة الغربية وسائر فلسطين ممجوجة. وأما إيحاء بعض الزعماء العرب بأنهم «مصدومون» بكلام بنيامين نتنياهو الأخير، فهو مجرد تمثيل. لقد كان هؤلاء بارعين في التمثيل على شعوبهم عشرات السنين، فصدَّقوهم. لكنهم اليوم صاروا أكثر وقاحة. إنهم مستمرون في المسرحية على رغم أنهم مكشوفون!
 

مقالات خاصةالنوم باكراً... إستعداداً للمدرسة!سيمون أسمر: تفوو عليكن!الأمان والاستقرار يحميان من الإكتئاب والإنتحارالمزيدتبدو «البكائيات العربية» على مصير وادي الأردن والضفة الغربية وسائر فلسطين ممجوجة. وأما إيحاء بعض الزعماء العرب بأنهم «مصدومون» بكلام بنيامين نتنياهو الأخير، فهو مجرد تمثيل. لقد كان هؤلاء بارعين في التمثيل على شعوبهم عشرات السنين، فصدَّقوهم. لكنهم اليوم صاروا أكثر وقاحة. إنهم مستمرون في المسرحية على رغم أنهم مكشوفون!
كل الذين يعرفون بالسياسة، في الحدّ الأدنى، كانوا يدركون أنّ نتنياهو سيعلن خطوات جديدة تتعلق بالضفة الغربية، بعد الانتخابات التشريعية، في سياق «صفقة القرن» التي جرى التمهيد لها مالياً بمؤتمر المنامة في حزيران الفائت.

 

في آذار الفائت، كشف السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، أمام المؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامة الأميركية - الإسرائيلية «أيباك»، ثلاثة محدَّدات أساسية لـ»الصفقة». وفريدمان هو أحد أفراد الفريق الثلاثي الذي يعمل على إعدادها، والذي يقوده كبير مستشاري الرئيس الأميركي جاريد كوشنر.

والمحدَّدات هي: السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، والوجود الأمني الإسرائيلي الدائم في غور الأردن، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وسأل: هل نترك الضفة للإدارة الأميركية التي ستخلف إدارة ترامب، والتي قد لا تفهم حاجة إسرائيل إلى الحفاظ على السيطرة الأمنية على الضفة وموقع للدفاع الدائم في غور الأردن؟

بناءً على ذلك، يصبح ممكناً إدراك لماذا شجعت إسرائيل «الموجة» التي سادت خلال المؤتمر وبعده، والتي توحي أنّ هذه «الصفقة» ما زالت غير ناضجة بسبب اعتراضات القوى المعنية بها، وفي مقدمها إسرائيل نفسها والفلسطينيون… عدا عن مصر والعديد من دول الخليج العربي ولبنان وسوريا وآخرين.

إنّ»صفقة القرن» «ماشية»، وإسرائيل تدفع بها إلى الأمام بدعم أميركي إستثنائي في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب وفريقه القريب جداً من إسرائيل، لكنّ الإسرائيليين يلعبون على عامل الوقت. إنهم يطبخون «الصفقة» بهدوء، ولا شيء يدفعهم إلى الاستعجال ما دام الوضع العربي إلى تراجع لا إلى تقدم.

فقط يريدون ترتيب الأمور المهمة في عهد ترامب، أي قبل كانون الثاني 2021، إلّا إذا كانوا يضمنون مسبقاً مَن سيكون في البيت الأبيض خلال السنوات الأربع التالية، ترامب أو سواه. وعلى الأرجح، ليست لديهم مشكلة مع العهود الأميركية كلها، أياً كان الرئيس. فهناك توافق بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي على المسائل المتعلقة بإسرائيل ومستقبلها وأمنها، مع اختلاف في أسلوب التعامل لا أكثر.

لو أراد الإسرائيليون إعلان «الصفقة» الآن لتحقَّق ذلك، لكنهم هم المتريّثون فعلاً، لا العرب. إنهم ينتظرون أن تتكامل كل مستلزمات «الصفقة» أولاً. يريدونها أن تصبح أمراً قيد التنفيذ عملانياً، وبالتدرُّج، فيأتي الإعلان عنها مجرد مسألة شكلية، لا أكثر.

للتذكير، «صفقة القرن» ترمي في النهاية إلى اعتماد القدس عاصمة لإسرائيل، وهذا ما تحقق. وترمي إلى ضمِّ الجولان وقد تحقق ذلك. وهي تقول بضمِّ الأجزاء التي تحتلها المستوطنات بكثافة في الضفة الغربية، لأنّ الهدف هو أن تصبح الأجزاء الأخرى سهلة الضمّ لاحقاً. وتقول بمقايضة الأرض بين مصر وإسرائيل وغزة، في القطاع وسيناء والنقب. وهذا أمر لم يحصل حتى الآن… لكن الملامح الظاهرة على الأرض هناك قد تكون تمهيداً لما سيأتي. كما تتضمّن «الصفقة» تعاملاً أردنياً مختلفاً مع مسألة التوطين الفلسطيني.

إذاً، لا يمكن تصديق الكلام الصادر عن بعض العرب، والذي يقول إنّ «صفقة القرن» فشلت. فأين هو الفشل إذا كانت بنودُها تنفَّذ تدريجاً وبهدوء، وتحت عناوين «ملتوية»؟ وتالياً، بعد اعتماد القدس عاصمة لإسرائيل وضمّ الجولان، كيف يفسَّر ضمّ غور الأردن في أقرب وقت ممكن، وحتى قبل إعلان «صفقة القرن»؟


إن ضمّ الغور، يأتي في سياق مسلسل طويل يستهدف ابتلاع الضفة الغربية كلها، في نهاية المطاف. وقبل أسابيع قليلة، ظهرت توقعات مبنية على وقائع تجزم بأنّ هناك أمراً يحضّره الإسرائيليون للضفة بعد الانتهاء من الانتخابات التشريعية. والقادة العرب موضوعون في هذه الأجواء. لذلك، إنّ الصامتين العرب اليوم هم أكثر انسجاماً مع أنفسهم من أولئك الذين يمارسون دورهم المسرحي بالبكاء والصدمة!

سيبتلع الإسرائيليون الضفة الغربية تماماً. لن يقبلوا إلّا أن تكون حدودهم مع الأردن، على النهر، ضمن ترتيباتهم الجغرافية - الديموغرافية لإقامة الدولة اليهودية القوية، والقابلة للاستمرار ضمن مقومات اقتصادية واجتماعية وأمنية قابلة للحياة.

في المقابل، يريدون أن يقطعوا التواصل ما بين المملكة الهاشمية وأيّ منطقة نفوذ فلسطيني، ولو شكلياً، لأنهم يرغبون في استفراد الفلسطينيين هناك، بحيث يُفتح لهم مجال للعبور في اتجاهين: اتجاه الأردن لـ»الترنسفير» أو اتجاه غزة من خلال طريق سريع يجري إنشاؤه. ويتحكّم الإسرائيليون بالمعابر كلها ذهاباً وإياباً.

الأردنيون يعرفون ذلك جيداً، ويشعرون بأنهم يتعرضون لعملية ابتزاز سياسية- اقتصادية- أمنية ليوافقوا على المخطط. ليس في أيدي العرش الأردني كثيرٌ من الأوراق للرفض. فالقبول مأزق والرفض مأزق أكبر.

بعد الانتخابات الإسرائيلية سيعلن الإسرائيليون ضمّ غور الأردن. وإذا كان نتنياهو هو الذي يهدد اليوم، فإنّ هذا المطلب محطُّ إجماع إسرائيلي ويحظى بتأييد منافسي نتنياهو أيضاً. فليس في إسرائيل خلاف على المسائل الجوهرية. وسيؤيد الأميركيون هذا الإعلان فوراً فيصبح أمراً واقعاً، ولاحقاً تتم معالجة الاعتراضات والتحفظات العربية والدولية.

والمكاسب التي يقدمها ابتلاع الغور لإسرائيل هائلة. فعدا عن أنه يكرّس إحكامَ القبضة على الضفة الغربية وحدودها مع الأردن، هو يقدّم ميزات أمنية واقتصادية ثمينة جداً للكيان الإسرائيلي.

فهو منطقة سهلية خصبة وملائمة جداً للزراعة على مساحة 400 كيلومتر مربع، يغذيه نهر الأردن، وغنيّ بالمياه الجوفية، ويتميّز بأنّ مستواه يهبط من حدود 200 متر إلى 410 أمتار تحت سطح البحر. وهو يشكل شريطاً محاذياً للنهر من الشمال إلى البحر الميت في الجنوب. ويساهم في إيجاد عمق أكبر لإسرائيل على الجبهة الشرقية. كما أنّ ضمّه سيكرّس تطويق الضفة الغربية.

في المرحلة المقبلة، سينشغل الجميع بأنفسهم في الشرق الأوسط: الولايات المتحدة وإيران تنهمكان في دراسة الفوائد من الحوار، العرب غارقون في صراعاتهم، أوروبا ضعيفة، روسيا واقعية والصين طموحة.

ولكن، المرتاح الوحيد على وضعه هو إسرائيل. أعداؤها «يتمترسون» على جبهات أخرى، والآخرون يطلبون رضاها… أو على الأقل لا يريدون إزعاجها. ولذلك، هي تأكل الوجبة الموضوعة أمامها بهدوء… وعملية الهضم «ماشية».