الحكمة من الكلمات التي تحمل في طياتها كل معاني الجمال والكمال , وهي من الكلمات التي نطق بها البشر فأضفت على ناطقها سحر وجمال , وما تحمله من سحر وجمال جعلها غاية سامية للبشر ينشدونها في كل حالاتهم , ويجعلونها عنوانا لحياة فاضلة وسعيدة , قد أطلقت هذه الكلمة على الفلسفة لان الفيلسوف يصل من خلال حكمته وعلمه الى معرفة كُنه الوجود , فيضفي عليه من وعيه وفهمه حضورا أكثر ويجعله بين يديه مطواعا , فيجعل الامور في مواضعها وهذه هي غاية الحكمة إذ أن من أهم غايات الحكمة وضع الامور في مواضعها , لأن الحكمة بمعناها الذي ذكرناه أقرب للاخلاق والسلوك الانساني بما تحمله من معنى حُسن التصرف .

وقد تطلق كلمة الحكمة ويراد منها العلم بشكل عام , فيقال إن الرجل الحكيم هو الذي يملك من الوعي والبصيرة النافذة والتجارب والشجاعة ما يجعله قادرا على وزن الامور والنفاذ الى بواطنها وبالتالي وضعها في مواضعها , وهذا الذي يجعلها شاملة لكل تصرفات الانسان , ولا بد للذي يرد أن يصل الى الحكمة من أن يكون مؤمنا عارفا بالله تعالى , وصاحب عقل وتدبر , ومكثرا من التجارب والاطلاع , إذ قال الامام علي عليه السلام " التجربة رأس المعرفة " .

ويدخل تحت عنوان الحكمة الكثير من الصفات الاخلاقية والسلوكية ويعتبر الانسان الذي يتحلى بها حكيما عاقلا حريصا على مصلحة الناس والمجتمع , ويكون محط أنظار العقلاء في حل الكثير من الامور الاجتماعية والسياسية والانسانية والى ما هنالك من مشاكل يعاني منها إنساننا , وهذا هو الصنف من الناس الذي نفتقده في أيامنا هذه , وكم نحتاجه في ما نمر به من ظروف فتنوية خطيرة تنذر بضرب الحجر والبشر على حد سواء , وكل يوم يمرفي بلادنا وأوطاننا  تشتد الحاجة إلحاحا للحكماء والعقلاء من أجل وضع الامور في مواضعها الصحيحة , وحث الناس على الالتزام بالحق والدفاع عنه , بعد التمييز بين الحق وبين الباطل الذي إشتبه على الناس ولم يعد الكثير منهم يميزون بينهما , وذلك بفعل ضغت السائد الذي يُلبس الحق بالباطل ويُلبس الباطل بالحق , ويساعد على ذلك رجال إدّعوا الحكمة وهم منها براء , وصدقهم الناس الطيبون ومشوا خلفهم لانهم يرفعون شعارات تدغدغ عواطف الجمهور , كم نحن بحاجة الى رجال تتحلى بالحكمة وتكون نموذجا وقدوة للناس وتقول الحق ولو على نفسها , ولا تأخذها في الله لومة لائم , لقد دخلنا في أتون فتنة مذهبية بغيضة , فعلى كل العقلاء في هذه البلاد مسؤولية التصدي لهذه الفتنة العمياء التي لا تميز بين أحد, ولن يكون فيها رابحا ابدا , بل الخسارة على الجميع , قال الامام علي عليه السلام : " الحكمة شجرة تنبت في القلب وتثمر على اللسان " , وعنه أيضا " رأس الحكمة مخافة الله .