دخل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على خط التهدئة بين لبنان وإسرائيل، بعد العملية الأمنية الإسرائيلية عبر «مسيّرة مفخخة»، وأخرى استطلاعية في المبنى الذي تتواجد فيه الوحدة الإعلامية التابعة لحزب الله.
 
لكن مصادر دبلوماسية لاحظت ان هذا الدخول اتسم بعدم الحياد، إذ في وقت طلب من الرئيس سعد الحريري السعي الى ضبط النفس، وعدم الرد على «الاعتداء الإسرائيلي»، على ان تعالج ضمن الأطر الدبلوماسية بعيداً عن السياقات الحربية، على قاعدة «اقتله أولاً» وهو التبرير، الذي قدمه الجيش الإسرائيلي على لسان جوناثان كونريكوس، الناطق باسمه، زاعماً ان طائرات مسيّرة، كانت ستستهدف أماكن في إسرائيل احبطت الخميس الماضي، متهماً إيران بالتحضير لها، فيما أقرّ في اتصال مماثل مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل انها تتفهم دوافع وحق تل أبيب بالدفاع عن النفس.
 
وإذا كانت المواجهة المتوسعة بين الولايات المتحدة الأميركية، ومعها إسرائيل وإيران، ومعها أطراف المحور تعم أجواء المنطقة، عبر المسيرات الحربية، سواء في العراق أو سوريا وصولاً إلى لبنان، وغزة، فإن الأوساط الدبلوماسية رفعت من مستوى مخاوفها من اقتراب النار من سمائه وحدوده، بعد الاعتداء الإسرائيلي المسير في الضاحية الجنوبية، وتهديد السيّد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بمنع اسرائل من تسيير مسيرات في الأجواء اللبنانية.
 
وهذا الأمر، على خطورته، سيكون أوّل بند على جدول مجلس الوزراء الذي ينعقد غداً في السراي الكبير، والمخصص اصلاً لمعالجة أزمة النفايات.
 
العدوان الإسرائيلي
 
وكان الدخول الإسرائيلي السلبي على الوضع اللبناني فجر أمس الأحد، قد وضع التطور الإيجابي الداخلي الذي سجل السبت، وتمثل بزيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ونجله رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بيت الدين، ومن ثم الغداء الذي جمعهم في حضور رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، على شكل «مصالحة ومصارحة» جديدتين، في المرتبة الثانية من الاهتمامات والمتابعات اليومية للبنانيين، الذين ما زالوا تحت وطأة صدمة التصنيف الائتماني السلبي لاحوالهم الاقتصادية، بانتظار ما يمكن ان تحدثه هذه الصدمة من تطورات ميدانية في سوق القطع اليوم الاثنين مع بدء الحركة العادية في الأسواق، قبل ان يتفأجوا ليل السبت - الأحد، بعدوان إسرائيلي على منطقة الضاحية الجنوبية بطائرتين مسيرتين وتفجير احداهما قرب مكتب العلاقات الاعلامية لـ «حزب الله» في حي معوض، مادفع الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله الى الاعلان امس في كلمة لمناسبة ذكرى الانتصار على الارهاب في السلسلة الشرقية، ان الحزب لن يسمح بعد الان بمرور اية طائرة استطلاع اسرائيلية وسيعمل على إسقاطها».
 
كما اعلن نصر الله ان العدوان الاسرائيلي ليل السبت الاحد على ضواحي دمشق استهدف بيتا لاقامة عناصر الحزب وليس مركزا عسكريا، ما ادى الى سقوط شهيدين للحزب، متوعدا جيش الاحتلال بالرد «ومن لبنان وليس من مزارع شبعا»، مخاطبا الجندي الاسرائيلي بالقول: «بدك توقف على رجل ونص وتنتظرنا».
 
وكان مسؤول العلاقات الاعلامية في «حزب الله» محمد عفيف قد ابلغ «اللواء» نهاراً ردا على التسريبات بأن الحزب سيرد قبل كلمة نصر الله، «ان اي قرار للحزب بالرد او عدم الرد على العدوان الاسرائيلي بطائرات تجسس مسيّرة على منطقة الضاحية الجنوبية، لم ولن يتخذ قبل كلمة الامين العام»، وقال: كيف يعقل ان يعلن مصدر في «حزب الله» انه سيتم الرد عسكريا، بينما لدينا احتفال جماهيري كبير يتحدث فيه السيد نصر الله ويعلن الموقف المناسب؟.. 
 
اضاف عفيف موضحا: ان الطائرتين سقطتا في نفس المكان على سطح المبنى الذي يقع فيه مركز العلاقات الاعلامية والاعلام الالكتروني للحزب، واصيب ثلاثة من العاملين فيه بجروح بسيطة نتيجة تناثر الزجاج...
 
 وتابع: ان الطائرة الاولى سقطت ولا نعرف كيف، لكن تقديرنا انها كانت تلتقط صورا وتجمع معلومات، وان الطائرة الثانية المتفجرة قد تكون بصدد تفجير الاولى لمنعنا من الحصول على المعلومات التي التقطتها الاولى، لكن في الحالتين لسنا نحن من اسقطنا الطائرتين ولا ندري بعد كيف سقطتا.
 
ومساء سألت «اللواء» عفيف عن الهدف الذي قال نصر الله ان الطائرة المتفجرة استهدفته؟ فاجاب: «لا تعليق الان بانتظار جمع كل المعطيات والمعلومات».
 
ولوحظ ان الأجهزة الرسمية العسكرية والأمنية والقضائية نزلت فوراً إلى ميدان الحدث لمباشرة التحقيقات، فيما جرت اتصالات مكثفة بين كبار المسؤولين، لتوحيد الموقف من التعامل مع العدوان الجديد، وبقي الرئيس عون على اتصال مع الأجهزة الأمنية والقضائية والنيابية العامة العسكرية، عبر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس الذي أجرى كشفاً ميدانياً وتحقيقاً اولياً.
 
وذكرت معلومات ان الرئيس عون ستكون له لقاءات في الأربع والعشرين ساعة المقبلة لمعالجة الموضوع مع عدد من ممثلي المجتمع الدولي والدبلوماسيين لمواكبة العملية بعد التهديدات الإسرائيلية والتطورات التي حصلت.
 
وإذ أعلن عون ان ما حصل عدوان غادر على السيادة اللبنانية، وان لبنان سوف يتخذ الإجراءات المناسبة بعد التشاور مع الجهات المعنية، قال رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ان الحكومة «ستتحمل مسؤولياتها الكاملة بما يضمن عدم الانجرار لأي مخططات معادية تُهدّد الأمن والسيادة الوطنية»، في حين اوعزت وزارة الخارجية إلى مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة امال مدللي لتقديم شكوى فورية لمجلس الأمن ضد إسرائيل لخرق السيادة اللبنانية والقرار 1701.
 
وأفاد المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، أن الرئيس الحريري تلقى اتصالاً من وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الذي أكّد خلال الاتصال على ضرورة تجنّب أي تصعيد والعمل مع كافة الأطراف المعنية لمنع أي شكل من اشكال التدهور.
 
وبحسب المكتب فإن الرئيس الحريري شدّد من جانبه على «التزام لبنان موجبات القرارات الدولية ولا سيما القرار 1701، منبهاً إلى مخاطر استمرار الخروقات ووجوب العمل على وقف هذه الخروقات».
 
 
 
وتلقى الحريري أيضاً اتصالاً هاتفياً من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي أكّد تضامن الجامعة مع لبنان «في هذا الظرف الدقيق، واستعدادها للقيام بالدور المنوط بها في صيانة الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في لبنان».
 
وإذ شدّد على ان الجامعة تتابع باهتمام التطورات الأخيرة في لبنان، وتدين بشدة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، فإنه اعرب عن أمله بأن تلتزم كل الأطراف المعنية بمنع التصعيد وضبط النفس للحيلولة دون الانزلاق إلى منعطف خطير يُهدّد أمن واستقرار لبنان والمنطقة.
 
نصر الله
 
اما السيّد نصر الله، فلم يشأ الكشف سوى عن جانب قليل من المعلومات، إذ قال في مهرجان الذكرى الثانية لتحرير الجرود الشرقية في بلدة العين البقاعية، ان ما حصل هو استهداف بطائرة انتحارية مسيرة لهدف معين في الضاحية، بعدما سبقتها طائرة أولى مسيرة استطلاعية وغير مزودة بمواد تفجيرية، وكانت تعطي صوراً دقيقة للهدف المقصود، لكنها سقطت من تلقاء نفسها، (وربما اسقطها شبان بالحجارة لأنها كانت قريبة جداً من الابنية)، مشدداً على عدم السماح بمسار من هذا النوع مهما كلف الثمن وسيتم إسقاط أي طائرة مشابهة إذا تكرر نفس المشهد، واصفاً ما حصل بأنه «أول خرق واضح وصريح لقواعد الاشتباك منذ عدوان تموز 2006»، مشيراً إلى انه مشابه للسيناريو المعتمد حالياً في العراق، ومشدداً «على ان الزمن الذي كانت فيه طائرات العدو الإسرائيلي تقصف لبنان ويبقى كيانه آمناً انتهى».
 
واعتبر أن الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي تدخل لبنان «لم تعد لجمع المعلومات بل لعمليات الاغتيال.. ومن الآن فصاعداً سنواجه الطائرات المسيرة الإسرائيلية عندما تدخل سماء لبنان وسنعمل على إسقاطها، وليأخذ الاسرائيلي علما بذلك، نحن لن نقبل بأن تستباح مناطقنا، واذا كان احد في لبنان حريص، فعليه ان يحكي مع الاميركي كي يحكي مع الاسرائيليين ان ينضبوا».
 
لقاء عون - جنبلاط
 
من جهة ثانية، علم ان اللقاء بين الرئيس عون وجنبلاط كان جيدا بحيث ان التشنج الذي تركته حادثة قبرشمون وما تلاها من ردود فعل ازيل وفي الأصل ازيل منذ لقاء المصارحة والمصالحة لكن ساد مناخ افضل والحديث تناول الوضع الأقتصادي خصوصا وهو الذي يركز عليه عون.
 
واكدت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان هناك تطابقا في وجهات النظر متفقة على معالجة سريعة ليس في الأجراءات الأقتصادية وانما في مواكبة سياسية كي يكون هناك. تناغم بين الأجراءات التي تتخذها الدولة وردة الفعل الشعبية والسياسية لأن موازنة 2020 ستتضمن بعض القضايا التي تتطلب تضامنا وطنيا واسعا حتى تطبق.
 
وكشفت انه تم التطرق الى مواضيع الساعة منها البيئه وغيرها، واوضحت انه دار حوار في حضور الوزير باسيل اتسم الجو بالهادئ، وابلغ عون حنبلاط انه يحضر لأجتماع موسع بعد عودته الى قصر بعبدا لرؤساء الكتل والأحزاب في مجلس النواب لأطلاعهم على حقيقة الوضع الأقتصادي والمالي التي يمكن اتخاذها بهدف قيام مشاركة من قبل الجميع لتحمل مسؤولية المرحلة المقبلة لأن لا بد من قيامها.
 
وافادت ان الآجتماع سيعقد مطلع الأسبوع المقبل اما الأثنبن او الثلاثاء المقبلين وفق وتيرة الدعوات التي توجه ِ. وابرز المدعوين الرئيسان نبيه بري والحريري ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية الممثلة في مجلس النواب. وسيكون هناك عرض للواقع الأقتصادي والمالي والأجراءات التي يمكن اتخاذها.
 
وقالت ان اللقاء مع جنبلاط افسح في فتح صفحة جديدة بينه وبين عون وباسيل.
 
واذا كان لقاء بيت الدين تميز بالايجابية, كما قالت مصادر الحزب التقدمي لـ«اللواء»، خاصة مع حضور الوزير باسيل، ما يُعطي مزيداً من الايجابية لمساعي رأب صدع الخلافات بين الطرفين، فإن المصادر أوضحت أيضا ان لا خطوات جديدة حتى الان على صعيد مسار العلاقة بين التقدمي وبين «حزب الله»، لكنها قالت: ان العدوان الاسرائيلي امس، من شأنه ان يدفع كل الاطراف الى مزيد من التهدئة لمعرفة اتجاه الاحداث، ونحن ندفع باتجاه مزيد من تطبيع العلاقات مع كل الأطراف، علماً ان جنبلاط كان غرد معلقاً على العدوان بقوله ان «افضل طريقة لمواجهة الاعتداء هو بالوحدة الوطنية».
 
ثبات الليرة
 
وعلى صعيد التصنيف الائتماني للبنان، بالشكل الذي خرجت به مؤسستا «ستاندر اند بوز» و«فيتش» يترقّب اليوم كيفية تعامل الأسواق المالية مع التصنيف الجديدة، وعما إذا كان وضع الليرة سيتأثر بالمضاربات على غرار ما حصل في اليومين الماضيين بفعل الشائعات التي حذر منها الرئيس عون، وكذلك وزير المال علي حسن خليل، الذي أعلن انه لا يتوقع تهوراً اسرائيلياً، مع انه يجب دائماً الاستعداد، لافتاً إلى ان التحدي المالي لا يكون بمهلة ستة أشهر أو بالتصنيف السلبي وانما بالحاجة إلى إجراءات جدية، واستكمال موازنة العام 2020 قبل تشرين الأوّل، مشيرا إلى اننا امام فرصة لإقرار الموازنة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة ضمن المهلة الدستورية، جازماً انه في الموازنة الجديدة لن يكون هناك فرض ضرائب جديدة.
 
وأكّد خليل انه واثق بمقدرة الليرة في الحفاظ على استقرارها وان الدولة لن ترحم المتلاعبين باستقرار الليرة.
 
اما الوزير السابق مروان خيرالدين، فتوقع ان يكون اليوم عادياً على صعيد التعاملات بين المصارف، لافتاً إلى ان بعض المضاربات التي يُمكن ان تحصل ستكون محدودة، مؤكداً انها ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها لبنان لتصنيف سلبي، إذ سبق في العام 2008 حيث كان تصنيفه في مرتبة تربل C. وكشف ان قيمة سندات اليوروبوند غير المملوكة في حدود 3 مليارات دولار، وهذه السندات يُمكن ان تتعرض لمضاربات لكنها لا تؤثر على وضع المصارف ولا على اللبنانيين، وإنما فقط على الأشخاص الذين يشترون أو يبيعون.