الحوثيون والإخوان وجهان لعملة واحدة. ونادرا ما تجلت بينهما عداوة. وعلى امتداد عدة عهود في تاريخ اليمن المعاصر، فإن نوعا من التفاهم الضمني ظل قائما بينهما على تقاسم النفوذ والمصالح.
 

إذا كانت النهاية غير واضحة في الحرب المندلعة في اليمن منذ العام 2015، أو أنها تطول أكثر من اللازم، فلأن هناك سببا.

 

لا تنقص التحالف العربي الذي تقوده السعودية القدرات العسكرية، كما لا ينقص مناهضي الإنقلاب الحوثي بين اليمنيين الدعم اللوجستي المطلوب لتحرير مناطقهم. ولكن حيثما توفرت الإرادة بين الفاعلين على الأرض نجح التحالف، وحيثما لم تتوفر، ظلت الحرب سجالا.

 

وها نحن فيها، منذ أربع سنوات. وقد تمتد إلى سنوات أخرى. فانظر إلى الغلبة السياسية على الأرض وستعرف لماذا تحررت مناطق واستعصت غيرها؟

 

جنوب اليمن، وبعض مناطق الشمال، هو النصر الوحيد الذي أمكن تحقيقه في هذه الحرب. ومن دونه، فإن الحديث عن وجود “شرعية” ما كان ليكون إلا مجرد وهم.

 

ثمة دافع إيراني وإخواني مشترك هو الذي يقف وراء الرغبة بإطالة أمد الحرب، وتحويلها إلى حرب استنزاف. ومن هذا الدافع، يتضح خيط الفجر. ومن لا يريد أن يراه، فكأنه لا يريد أن يرى شيئا. فعصابات الحوثي التي ظلت تتلقى الدعم العسكري، بوسائل التهريب الممتدة على طول سواحل اليمن، إنما تناظرها ميليشيات حزب الإصلاح التي تتبنى المنظور نفسه. ومن يفترض أن هذه الميليشيات لا تتلقى، بدورها، الدعم من إيران لا يفعل سوى أن يوهم نفسه.

 

الحوثيون والإخوان وجهان لعملة واحدة. ونادرا ما تجلت بينهما عداوة. وعلى امتداد عدة عهود في تاريخ اليمن المعاصر، فإن نوعا من التفاهم الضمني ظل قائما بينهما على تقاسم النفوذ والمصالح، ليس على أسس مناطقية، تفرضها ديموغرافيا التوزيع القبائلي، وإنما على أسس سياسية تتحكم بمن يتحكم في صنعاء. وأولئك هي الأفاعي التي ظل علي عبدالله صالح يرقص على رؤوسها حتى لدغته.

 

لم يكن انقلاب الحوثي على الشرعية في العام 2015 مفاجأة سارة للإصلاحيين. ولكنه لم يكن مفاجأة سيئة أيضا. فقد ظل بالإمكان النظر إليه على أنه شيء يمكن التعايش معه. وكل غاية المساعي للحوار، إنما كانت تقصد العودة إلى أطر التفاهمات التقليدية المسبقة. وسواء انتهى الأمر بزيادة أو نقصان، فإن الأرضية المشتركة حالت دون أن تتحول الخصومة السياسية إلى نزاع فعلي.

 

كلا الطرفين ظل ينظر إلى السعودية على أنها عدو، ولكن ليس لأنها تريد أن تعيد فرض الشرعية التي انقلب عليها الحوثيون، بل لأنها دخلت الحرب في اليمن، بينما كانت تخوض حربين أخريين: الأولى ضد المشروع الإخواني الذي قادته قطر، والثانية ضد التهديدات الإيرانية التي امتدت لتشمل اليمن بعد أن التهمت العراق وسوريا ولبنان.

 

عندما انسحبت قطر من المشاركة في عمليات التحالف العربي، اتضح لعصابات الإخوان التي كانت تزودها بالسلاح والكراهية ضد السعودية، في أي خندق يجب أن تكون.

 

لم يصبح خندقهم مع الحوثيين واحدا، ولكنه لم يصبح متقابلا أيضا.

 

الكثير من العمليات العسكرية الكبرى لتحرير مناطق مفصلية في الشمال ظلت تتعثر، ببساطة لأن ميليشيات حزب الإصلاح كانت تعمل على تخريبها، أو الحؤول دون أن تحقق النتائج المرجوة منها.

 

لا شك أن تلك العمليات حققت إنجازات كبرى، وانطوت على إنجازات عسكرية بطولية، كما ترافقت مع تضحيات مادية ضخمة في توفير الإمدادات والمساعدات الإنسانية. إلا أن ذلك كله كان يبدو وكأنه يغرق في بئر بلا قرار. فما لم تنته تلك التضحيات بتقدم مباشر إلى صنعاء، يعيد “الشرعية” إليها، فقد ظلت تدخل في نطاق خسائر حرب الاستنزاف. وهذا هو بالضبط ما تريده طهران والدوحة. وهو نفسه ما يريده الحوثيون وحزب الإخوان في اليمن.

 

لقد تحرر الجنوب أولا، إنما لسبب صريح، هو أن الجنوبيين حاربوا الحوثي، وحاربوا حزب الإصلاح، بوصفهما شيئا واحدا. الجنوبيون، بعبارة أخرى، حاربوا كل الذين أرادوا لهذه الحرب أن تتحول إلى حرب استنزاف للسعودية. وعندما عاد “الإخونجية” ليتسللوا إلى الجنوب، تحت غطاء “الشرعية”، نشأ الشرخ الذي دفع بهم إلى القول: لقد هزمناهم، فلماذا يعودون؟

 

هذه الحرب، إذا اختير لها أن تستمر، فإنها لن تبلغ النهاية، ما لم يتم تطهير صفوف “الشرعية” من أولئك الذين ظلوا يمارسون فيها دور “حصان طروادة”.

هل يعني ذلك استعداء بعض القبائل في الشمال؟ ليس بالضرورة. إن التوافق على مشروع مدني جديد يمكنه أن يجتذب داعمين للتحالف العربي أكثر بكثير ممن قد يخسرهم. والأفاعي التي لا تزال ترقص في باقي مناطق اليمن تحتاج إما أن تُقطع رؤوسها، وإما أن تُدفع إلى عزلة دائمة في جحورها، لا الرقص على رؤوسها.