لم تدفن مع جثتي الشابين، اللذين سقطا الأحد في 30 حزيران الماضي في قبرشمون، لا الاحقاد، ولا الخلافات التي سبقت ولحقت بالحادث الأليم: بقي مجلس الوزراء يبحث عن «مرجّح» يسمح بتجاوز الخلافات واجندة معالجة ذيول ما حدث عبر القضاء، العادي، أو المجلس العدلي، بما يسمح ببقائه «حيا يرزق»، وهو المكان الطبيعي للنظر في المشكلات وإيجاد الحلول لها..
 
وإذا كان الرئيس سعد الحريري، يلتزم «الصمت الايجابي» ويحاول ان يقارب النقاط «بتعادل ايجابي» أيضاً، فلا يفني الغنم ولا يموت الذئب.. فإن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع شرب حليب السباع، واتهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بتعطيل الحكومة، وتهديد بقائها أيضاً.
 
وبين تحفظ وكلام علني، اعتبر الكاردينال الماروني مار بشارة بطرس الراعي ان التوتر السياسي عطل الحكومة، في وقت فيه البلاد بأمس الحاجة لاجتماعات مجلس الوزراء لمعالجة الديون المتراكمة والأوضاع المتفاقمة، وكأن البلاد سفينة ضائعة في وسط البحر تتلاطمها الامواج..
 
ولم تخف مصادر وزارية، هذا الجو المعقد، وقالت لـ«اللواء» ان اي خرق على صعيد امكانية انعقاد جلسة لمجلس الوزراء لم يسجل بعد مشيرة الى انه قبل تهدئة النفوس لا يمكن الحديث عن عقد جلسة لأن ذلك يعني مشكلاً كبيراً بين مكونات الحكومة.
 
واعربت عن اعتقادها ان الأجواء عادت وتكهربت على كل الآصعدة وبالتالي قد يؤدي ذلك في حال عدم وجود مسعى الى عواقب خطيرة، واذ لاحظت ان ما من مبادرة واضحة حاليا توقعت ان يصار الى العمل لبلورة شيء ما، علما ان الاستمرار في تعليق جلسات الحكومة له ارتداداته السلبية.
 
ويعود الرئيس الحريري إلى بيروت اليوم، على ان يستأنف نشاطه فور عودته، بدءاً من يوم غد، في محاولة لاحداث تقارب بين الأطراف المتباعدة، تمهيداً لعقد جلسة لمجلس الوزراء.
 
ولم يستبعد مصدر مطلع ان توجه الدعوة إلى مجلس الوزراء الخميس المقبل، إذا صارت المعالجات، وفقاً لما هو مرسوم لها، ومرتجى منها..
 
وقال المصدر لـ«اللواء» لا يجوز ان يتعطل مجلس الوزراء لأي سبب كان، لأن تعطيله يعني تعطيل الدولة
 
اتصالات بعيدة عن الأضواء
 
واستمرت الاتصالات البعيدة عن الأضواء، ولو بخجل، من أجل إيجاد مخرج لدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد هذا الأسبوع، وإذا امكن يوم الخميس المقبل، على اعتبار ان الدعوة لعقد جلسة غداً الثلاثاء لم تعد متاحة، متاحاً، لكن يبدو ان المساعي لا تزال تصطدم بالشروط والشروط المضادة، لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان، حول تسليم كل المشتبه بعلاقتهم بجريمة قبرشمون التي حصلت الأحد الماضي، وإحالة القضية على المجلس العدلي، والتي يعتبرها أرسلان «مفتاح الحل».
 
وذكرت مصادر رسمية ان ما يعيق الحل الأمني هو عدم تسليم الحزب التقدمي لشخصين متهمين بشكل مباشر بإطلاق النار، مع انه جرى يوم السبت تسليم عنصرين آخرين، بحيث بلغ مجموع من تمّ تسليمهم سبعة أشخاص، فيما يطالب الاشتراكي بتسليم عنصرين من عناصر موكب الوزير صالح الغريب، ظهرا في الفيديوهات المسربة يطلقان النار خلال محاولة فتح الطريق امام الموكب.
 
وبرزت خلال عطلة نهاية الأسبوع تسريبات عن احتمال استقالة وزيري الحزب الاشتراكي اكرم شهيب ووائل أبو فاعور من الحكومة إذا استمرت محاولات الضغط والحصار السياسي على جنبلاط، لكن الوزير أبو فاعور سارع من بلدة المحيدثة في قضاء راشيا إلى التأكيد بأن «محاولات حصار وليد جنبلاط ليست جديدة في السياسة، وهو أكبر وارفع من ان تحاصروه»، في نفي ضمني لهذه التسريبات، فيما بدأ جنبلاط وكوادر حزبه وقياداته، بحملة سياسية مضادة عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك عبر وفود وزارية ونيابية برئاسة الوزير اكرم شهيب زارت أمس كلاً من البطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للتأكيد على فشل محاولات حصار وتطويق جنبلاط، واستمرار مصالحة الجبل، حيث أكّد الراعي انها «الكنز الذي نتمسك به»، مقابل حملات أخرى من الحزب الديموقراطي، و«التيار الوطني الحر» ترفض محاولات جنبلاط بالاستئثار بقرار الجبل، عبر الحديث عن خصوصية، وهو ما اشر إليه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، خلال زيارته لمدينة طرابلس السبت الماضي، وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، رغم ان أحداً من سياسيي المدينة أو فعالياتها وقياداتها لم يأبه للزيارة، باستثناء بضع عشرات من مؤيديه تجمعوا في باحة معرض رشيد كرامي الدولي، كان عدد عناصر القوى الأمنية أكثر من عددهم.
 
وليلاً غرد جنبلاط الذي التقى مجموعة من السفراء الأجانب، قائلاً: «عبر حسابه على «تويتر» نحن «لسنا قطاع طرق»، ثم كرّر هذه العبارة مضيفاً «لكن البعض لم يفهم».
 
معالجات بطيئة
 
وفي تقدير المصادر الرسمية ان المعالجات لتداعيات احداث الجبل، لا تزال متأخرة، لا بل بطيئة، إلى حين انتهاء الشق الأمني كاملاً، من خلال تسليم المتورطين في هذه الأحداث، وهو ما لا يبدو سريعاً، لكي يبدأ الحكي السياسي بالعمق، والذي يرتقب ان يدخل على خطه وبشكل مُكثّف الرئيس نبيه بري، عبر محاولة ترطيب الأجواء بين جنبلاط وارسلان، تمهيداً لمصالحة تكون برعاية رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا.
 
لكن مصادر سياسية استدركت، بأنه من المبكر الحديث عن مصالحة درزية في الجبل، حتى ولو تحدث عنها أمس الوزير السابق وئام وهّاب، في تغريدة لافتة للانتباه له، وألمح إليها أرسلان في تشييع الضحية الثانية سامر أبي فراج في بعلشميه، طالما ان المعالجات الأمنية لم تكتمل، سواء بالنسبة لتسليم المطلوبين أو إحالة الحادثة على المجلس العدلي.
 
وأشارت المصادر إلى ان الفصل بين المعالجات، بحيث يكون الشق الأمني منفصلا عن الشق السياسي، غير عملي، بحسب ما يرى الرئيس برّي حينما أكّد يوم الأربعاء الماضي بأن المسارات الثلاثة: الأمني والقضائي والسياسي يجب ان تكون مترابطة خلافاً لوجهة نظر بعبدا، على اعتبار ان الأحداث في الجبل، هي في الأصل سياسية، نتيجة الشحن السياسي الذي لم يعد وقفاً على الشريحتين الدرزيتين المعروفتين في الجبل، بعدما دخلت على خطه مجموعات سياسية من خارج الطائفة الدرزية، رأت انه من مصلحتها توتير الأجواء بين الطرفين، ولهذا كثرت الإشكالات الأمنية بينهما، وارتفع عدد ضحاياها في سنة واحدة إلى أربع، وهو أمر لا يجوز ان يستمر.
 
وتعتقد هذه المصادر ان المسعى السياسي يجب ان يرتكز على محاولة استيعاب جنبلاط وطمأنته إلى عدم وجود قرار أو نية لمحاصرته وتطويقه، ووقف الضغوط عليه، بالتوازي مع شغل على خط أرسلان للتراجع عن مطلب إحالة جريمة قبرشمون على المجلس العدلي، خاصة وان أغلبية مكونات الحكومة الأساسيين هم ضد احالتها على الأقل الآن إلى المجلس العدلي، وليس قبل اتضاح كل ملابسات ما جرى وتحديد المسؤوليات بدقة من قبل الأجهزة الأمنية والقضاء ليبنى لاحقاً على الشيء مقتضاه.
 
الحريري منزعج
 
وبحسب المصادر ذاتها، فإن الرئيس الحريري ليس بعيداً عن هذا التوجه، بل هو أكّد عليه منذ اليوم الأوّل، حيث برز تميزه عن موقف رئيس الجمهورية خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي اثار غيظ جنبلاط، فيما رحب به أرسلان، وتُشير هذه المصادر إلى ان مقدمات نشرات اخبار محطة تلفزيون «المستقبل» لا سيما تلك التي تحدثت عن «عصفورية سياسية» تعكس انزعاج الحريري من تصعيد الخطاب السياسي، وإعادة الفرز بين المكونات السياسية على قاعدة وجود مكونات للسلم ومكونات للحرب، وما يترتب على ذلك من مخاطر على الوضع الاقتصادي والمالي.
 
ولاحظت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان اي خرق على صعيد امكانية انعقاد جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع لم يسجل بعد مشيرة الى انه قبل تهدثة النفوس لا يمكن الحديث عن قيام جلسة لأن ذلك يعني مشكلاً كبيراً بين مكونات الحكومة.
 
واعربت عن اعتقادها ان الأجواء عادت وتكهربت على كل الآصعدة وبالتالي قد يؤدي ذلك في حال عدم وجود مسعى الى عواقب خطيرة، واذ لاحظت ان ما من مبادرة واضحة حاليا توقعت ان يصار الى العمل لبلورة شيء ما علما ان الآستمرار في تعليق جلسات الحكومة له ارتداداته السلبية.
 
الا ان مصادر قيادية في تيّار «المستقبل» أكدت ان الرئيس الحريري لن يقف مكتوف اليدين حيال أي توجه لتعطيل انعقاد مجلس الوزراء مهما كانت الأسباب.
 
وحذرت هذه المصادر من استمرار الشحن السياسي وارتداداته على العمل الحكومي، مشيرة إلى ان الحريري يرى ضرورة فك الاشتباك بين الأزمة الناشئة عن حوادث عاليه وبين عمل مجلس الوزراء، وما يتعلق بموجبات التصدي للمأزق الاقتصادي ومعالجة التداعيات المترتبة على التصنيفات الدولية للوضعين المالي والاقتصادي للبنان والمرتقبة في غضون الشهرين المقبلين.
 
وشددت هذه المصادر على انه من «غير الممكن مواجهة الاستحقاقات المالية والاقتصادية الماثلة في ظل أزمات سياسية مفتوحة، تجعل من عمل مجلس الوزراء عملاً موسمياً، مع ان الحكومة رفعت شعار «الى العمل»، لكن عدد جلساتها تكاد تكون معدودة (عدا عن جلسات إقرار الموازنة).
 
جعجع وباسيل
 
وفي المواقف التي اشتعلت على ضفاف جولات الوزير باسيل  ، أسف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للأجواء «التي لا توج باجتماع للحكومة في الأيام المقبلة»، معتبراً انها «جريمة بحق الوطن، إذ في الوضع الذي نعيش فيه، وفي ظل صعوبات معيشية تزداد يومياً، نحتاج إلى اجتماعات مكثفة وسريعة للحكومة».
 
ولفت في حديث اذاعي إلى انه من «غير المقبول ان يعطل الوزير جبران باسيل اجتماع الحكومة من أجل بعض المكاسب الحزبية الصغيرة»، مضيفاً إذا كانت هذه هي نوعية القوى السياسية، لا اعرف إلى أين نحن ذاهبون.
 
وحمل جعجع بشدة على باسيل في هذه المقابلة، إذ رأى انه المسؤول عن أجواء التشنج السائد في البلد، وانه هو الذي يتسبب به، معتبراً ان «باسيل اعادنا 50 سنة إلى الوراء، لأنه يطرح الأمور بقلب أسود»، مضيفاً بأنه «ليس مستغرباً ان تستقبل طرابلس باسيل الاستقبال الذي استقبلته به».
 
وسبق كلام جعجع تعليق للدائرة الإعلامية في «القوات» على كلام باسيل في طرابلس والذي غمز فيه عن مسؤولية جعجع في اغتيال الرئيس رشيد كرامي، فوصفه التعليق بأنه «حديث فتنوي أرعن لا علاقة له بكل ما نعيشه من تحديات وهموم، ويصر فيه على استعادة احداث الحرب اللبنانية من منظار صاحبه الأسود»، معتبراً ان أكثر من يعمل على تقسيم لبنان في الوقت الحاضر هو باسيل.
 
اما بالنسبة إلى اغتيال الرئيس رشيد كرامي، فسأل بيان «القوات» باسيل عن مبرر دفاعه عن نفسه بهذه الطريقة، طالما في الأساس لم يتهمه أحد باغتيال كرامي، إلى إذا كان من لديه مسلة تحت ابطه تنعره، أو يصح المثل القائل: «كاد المريب ان يقول خذوني».
 
وبطبيعة الحال، كان لباسيل ردّ من عكار، بعد انتهاء زيارته القصيرة لطرابلس، وصف فيها اتهام التيار باغتيال كرامي «بالكذبة» و«النكتة الكبيرة»، مشيراً إلى ان «هناك اناساً غير قادرين على الخروج من ماضيهم ويريدون تزوير التاريخ».
 
ومن بلدة رشعين بقضاء زغرتا ردّ على جعجع من دون ان يسميه فقال: «احدهم قال بأن من ليس لديه ماض ليس له لا حاضر ولا مستقبل، وأنا اقول بأن من لديه هكذا ماض ليس لديه لا حاضر ولا مستقبل».
 
باسيل في طرابلس
 
وكان باسيل أصرّ على ان يقوم بزيارة طرابلس على الرغم من كل التحذيرات والتمنيات التي نصحته بأن لا يشمل المدينة ضمن الجولات التي يقوم بها على المناطق عند نهاية كل أسبوع، ولا سيما بعد حادثة الجبل الأحد الماضي، والتي ما تزال ذيولها الأمنية قائمة، الا انه شاء ان يدخل إلى طرابلس ليس من أبواب السياسيين فيها ولا من باب دار الفتوى، ولا حتى مرجعياتها وفعالياتها، وإنما من باب تعزيزات أمنية غير مسبوقة، حيث كان لافتاً للانتباه تسخير كل أجهزة الدولة ومرافقها واجهزتها، ووضعها تحت تصرف نشاط حزبي، ولم يجد قاعة لاستقباله غير قاعة معرض رشيد كرامي الدولي، رغم ان إدارة هذا المعرض سبق ان رفضت إقامة مهرجان انتخابي للرئيس نجيب ميقاتي في العام الماضي.
 
وشهدت مداخل المدينة وشوارعها، منذ السابعة صباحاً ازدحاماً لملالات الجيش وعناصر قوى الأمن بهدف الحفاظ على الأمن ومنع أي تحرك للنيل من الزيارة كما حصل في الجبل، لا سيما بعد مرور تقارير عن احتمال تنظيم تظاهرات أو تجمعات احتجاجية على الزيارة، لكن هذه التجمعات اقتصرت على عدد محدود من المواطنين تجمعوا في ساحة النر رفضاً للزيارة، غير ان الجيش منعهم من التقدم نحو منشآت المعرض وعمد إلى قطع الطرقات عند دوار مستشفى النيني، مما حال دون وصولهم للتعبير عن رأيهم.
 
وقرابة الحادية عشرة وصل باسيل إلى المعرض، وكان اللافت دخول سيارته بمواكبة أمنية مشددة وصلت حتى باب قاعة الاجتماعات التي ضمّت بضع عشرات من كوادر «التيار الوطني الحر» لم تمتليء بهم القاعة.
 
ولوحظ انه تمّ منع وسائل الإعلام من الدخول لالتقاط الصور، واقتصرت التغطية الإعلامية على الوسائل المرافقة لباسيل، ما اثار نقمة المراسلين لا سيما العرب الذين قرروا عدم نقل وقائع الزيارة.
 
ولوحظ ايضا ان باسيل خص الطرابلسيين بكم من العواطف وشكر الذين تجمعوا للتعبير عن رأيهم برفض الزيارة للغمز من قناة الحزب الاشتراكي، معتبرا ان هذه هي طرابلس التي تعبر سلمياً وبكل حرية، لكنه رأى ان الزيارة لم تكن تستحق كل هذا الكم من الانتقادات، مؤكدا انه لا يحتاج إلى اذن ليزور أي منطقة، فالبلد ليس محميات ولا عودة إلى منطق الحرب، وانه كذلك لا يقبل بأن يفرض عليه أحد امراً واقعاً مناطقياً، وان يقوم بالهيمنة على أي منطقة تحت مسمى الخصوصية.