شكّلت الجلسة العامة لمجلس النواب امس، مرآة عاكسة للصورة السياسية في لبنان، بدت فيها مكونات الحكومة، التي كانت منخرطة في الاشتباك السياسي في الايام القليلة الماضية، على أتمّ انسجام، عكسه التوافق الصلب في ما بينها على حصّة مجلس النواب الخماسية في المجلس الدستوري، بالتوازي مع مجاملات متبادلة تبدّت بشكل جليّ على خط «التيار الوطني الحر» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، وايضاً بين «الاشتراكي» و»تيار المستقبل»، في وقت سعت المعارضة النيابية الخجولة الى إثبات وجودها، لكنها لم تنجح في اختراق جدار التوافق الصلب بين الكتل النيابية الكبرى، فواجهته بخيار الانسحاب.

وفي الشق السياسي، شكّلت الجلسة فرصة لرئيس الحكومة سعد الحريري للتأكيد من على منبرها، بأنّ كل لبنان ضدّ «صفقة القرن»، وايضاً ضدّ توطين الفلسطينيين، لافتاً الى «انّ دستورنا يمنع التوطين، ولا يزايدن احد علينا في ذلك»، داعياً الى «عدم ربط دين الـ90 مليار دولار بموضوع التوطين، لأنّ الجميع مسؤول عنه». 

فيما أعاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري انتقاد مؤتمر البحرين، ورفضه «صفقة القرن» حيث يبيعون فلسطين بأبخس الأثمان»، مشدداً على انّ التوطين مرفوض، ولبنان معني بمواجهته، معتبراً انّ الوحدة الوطنية بين اللبنانيين بكل فئاتهم تبقى السلاح الأمضى لمواجهة هذا التوطين وإفشاله.

الأعضاء الخمسة
وإذا كان المجلس النيابي بانتخابه حصّته في المجلس الدستوري، قد فتح باب الدخول الى ساحة التعيينات المعطلة، من دون اي مبادرة حكومية في هذا الاتجاه، فإنّه يلقي بذلك الكرة في ملعب الحكومة لاستكمال هذا الملف، بدءاً بتعيين مجلس الوزراء الحصّة الخماسية الحكومية في المجلس الدستوري. وهنا توقعت مصادر وزارية، ان تكون هذه الحصّة حزءاً من سلّة تعيينات قد يبادر اليها مجلس الوزراء في الايام المقبلة، تضمّ تعيين نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة الشاغرة مراكزهم منذ ما يزيد على الشهر، إضافة الى تعيين مدّعي عام التمييز، مع ترجيح اسم القاضي غسان عويدات، وايضاً تعيين مدير عام وزارة العدل.

وعلمت «الجمهورية» أنّ اتصالات جرت في الساعات الماضية، لتمرير تعيينات المجلس الدستوري في جلسة مجلس الوزراء المقرّر عقدها اليوم.
وكان الرئيس بري قد استبق جلسة الأمس، باجتماع لهيئة مكتب المجلس النيابي، جرت فيه جوجلة اسماء المرشحين للمجلس الدستوري، كما بلقاء مع الرئيس الحريري. وجاءت وقائع الجلسة بحسب التوافقات التي تمّت بين الكتل الكبرى، حيث فاز من بين 59 مرشحاً لعضوية المجلس الدستوري كل من: طنوس مشلب (72 صوتاً)، عوني رمضان (73 صوتاً) اكرم بعاصيري (71 صوتاً)، أنطوان بريدي ( 72 صوتاً) رياض ابو غيدا ( 79 صوتاً). وخلال عملية انتخاب هؤلاء الاعضاء، انسحب نواب «حزب الكتائب» والنائب بولا يعقوبيان والنائب جميل السيد.

وجاء هذا الانتخاب، في جلسة انتخابية، افتتحها الرئيس بري، بعد انتهاء الجلسة التشريعية التي انعقدت قبلها، واقرّت قانون تسوية مخالفات البناء من 13 أيلول 1971 لغاية 2018 بعد التصويت عليه، بالرغم من اعتراض عدد من النواب بلغ نحو 20 نائباً. كما مدّدت اعتماد الصرف على القاعدة الاثني عشرية حتى 31 تموز المقبل، بناءً على اقتراح الرئيس نبيه بري، كما أقرّت قانون مكافحة الفساد في القطاع العام، الذي ينصّ على إنشاء هيئة وطنية.

وتمّت المصادقة على القانون الرامي إلى إعفاء أولاد المرأة اللبنانية المتزوّجة من غير اللبناني والحائزين على إقامات مجاملة من الإستحصال على إجازة عمل، مع مُعارضة «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية». وصادق المجلس ايضاً على بند استبدال السجن بعقوبة العمل الاجتماعي للذي لديه جنحة غير شائنة عقوبتها سنة وما دون واستبدالها بـ8 ساعات من العمل الاجتماعي عن كل يوم سجن.

خيرالله الصفدي
من جهتها، قالت الوزيرة فيوليت خيرالله الصفدي لـ»الجمهورية»، انّ مشروع قانون تسوية مخالفات البناء الحاصلة يؤمّن موارد مالية الى الخزينة ويؤدي الى انتظام العلاقات التعاقدية بين الافراد، علماً انّ هذه التسويات تتعلق حصراً بالمخالفات الواقعة في الاملاك الخاصة بمالكيها دون تلك الواقعة على املاك الغير او الاملاك العامة.

وشدّدت على حرص الدولة بأن تكون التسوية لمرة واحدة فعلية، كي لا يعتاد المواطن على المخالفة. آملة من أنّها ستسوى في المستقبل مثل كل مرة.

الجميل لـ«الجمهورية»
وقال النائب نديم الجميل لـ»الجمهورية»: «في الشكل لم نُدعَ إلى جلسة انتخاب أعضاء المجلس الدستوري، بل علمنا بهذه الجلسة من خلال الصحف، فيما الدعوة التي وصلتنا هي لجلسة تشريعية على جدول أعمالها عدد من اقتراحات ومشاريع القوانين المطروحة».

وإذ اعتبر أنّ «عدم الدعوة إلى جلسة الإنتخاب تُعتبر استخفافاً بالنواب»، أشار إلى أنّه «تمّ توزيع السِيَر الذاتية للمرشحين إلى عضوية المجلس الدستوري في مستهل جلسة الإنتخاب»، سائلاً: «هل يُعقل أن نقرأ مئات الصفحات ونقوّم هذه السِيَر في نصف ساعة ونختار سريعاً».

 
 

ورأى أنّ «عملية إنتخاب أعضاء المجلس الدستوري بالشكل الذي حصل غير مقبولة، ولذلك لا يُمكن أن نشارك في إنتخابات تُعتبر فضيحة، وما حصل يُشكّل ضربة كبيرة للديموقراطية والمجلس النيابي والأصول». وقال: «كلّ شيء يتمّ في هذا البلد «سلق بسلق» ويظهر يوماً بعد آخر أنّ هذه الطريقة تخرب البلد، وطالما لا يحترمون الأصول سيبقى البلد غارقاً في الفوضى».

يعقوبيان
بدورها، اعترضت النائب بولا يعقوبيان على الآلية التي تمّ ارسال الأسماء فيها الى النواب عند الساعة 12 ونصف ظهراً، في وقت كان يجب ايصالها الى النواب اقله قبل 10 ايام وفق تعبيرها. متسائلة عبر «الجمهورية»: «أليس من واجبات النائب أن يستفسر عن هوية من ينتخب، فكيف يُسمح لنا بالتصويت عالعمياني؟».

وأضافت: «اريد ان اعرف لمن أصوّت ولمن أنتخب». أما بالنسبة للتسوية فقالت يعقوبيان، انّها صوّتت ضدها واعترضت عليها، «فالمجلس يجب عليه ان يعرف من ينتخب»، معتبرة انّ الذي حصل في المجلس هو ضرب الحصن الاخير للمجلس القضائي».

حواط 
واعتبر النائب زياد حواط، «انّ المجلس الدستوري كان الملجأ الاخير للمواطنين»، متسائلاً عبر «الجمهورية»، كيف ستكون آلية عمله اذا كانت الطبقة السياسية هي التي عيّنته تماماً مثلما عيّنت وتعيّن جميع ادارات البلد؟

وعن تصديق مشروع قانون التسوية قال لـ»الجمهورية»: «اننا بذلك نشرّع قانون المخالفات في زمن نطالب فيه بضرورة تطبيق القوانين، فنقول للمخالف «عافاك» وخالف أكثر واكسب الاموال... اما الملتزم للقانون فنقول له اخسر بعد. فأي ثقافة نعلّمها؟»، مذكّراً أن تطبيقها عام 1994 كان بسبب الحروب، ولكن اليوم لماذا نشرّع التسويات إذا كان لدينا دولة قانون ومؤسسات مشيراً الى، «كيف قلنا في الماضي انها ستكون لمرة واحدة واليوم نقول الامر نفسه؟». 
فياض 

اما النائب علي فياض، الذي صرف النظر عن الكلام، بعدما كان طلبه، فقال لـ»الجمهورية»: «ان «كتلة الوفاء والمقاومة» التزمت انتخاب الاعضاء الخمسة في المجلس الدستوري التي تمّ التوافق السياسي عليهم». مقرّاً بأنّ الكتلة ملتزمة هذا التوافق ومقتنعة به، وموضحاً أنّه يراها طبيعية نسبة الى الحكم والنظام في لبنان. ولفت الى أنّ عملية الانتخاب هي فرض دستوري طبيعي، فيما الاتفاق هو اتفاق سياسي .. «وليعترض من يريد، فلا احد يستطيع مصادرة الكلام، والتسويات هي تفاهم سياسي لتسهيل الامور ولا تلزم احداً. والاساس في الموضوع هو في اختيار الاشخاص النزهاء والاكفأ الذين سيمارسون دورهم بحياد قضائي ومهني دون تأثير من احد».

أمّا بالنسبة الى تصديق قانون تسوية مخالفات البناء، فأشار فياض الى أنّها تتعلّق فقط بالمواطن الذي يبني على ارضه في املاك خاصة وليس المعتدي على املاك الدولة، لأنّ الأخير ليس هناك من تسوية على تعدّياته. مشيراً في المقابل الى أنّ الحل الآخر، فيما لم تتم هذه التسويات ان تزيل الدولة التعدّيات وهو أمر غير وارد، لافتاً الى مئات المباني التي خالف فيها مواطنون في الطابق الاخير وتذّرع صاحب المُلك بعدم إمكانه منح صكوك ملكية لأصحابها، بحجة انه بانتظار مالك الطابق الأخير المخالف من إزالة مخالفته، لكن الاخير لا يفعل.

افرام
وتمايز النائب نعمة إفرام عن بعض اعضاء «تكتل لبنان القوي»، اذ قال لـ»الجمهورية» حول قانون تسوية مخالفات البناء، انّه صوّت ضد القانون لأنه غير منطقي، مشيراً الى انّ الآلية كانت كارثية في السابق، الا انّها اليوم تحسنت نسبياً، لأنّ التسويات قبلاً كانت حتى على الاملاك العامة، أمّا الآن فاصبحت فقط على الاملاك الخاصة.

وإذ اكّد انه من غير المقبول تسهيل المخالفة في مفهوم المواطن، كشف أنّ اربعة نواب او خمسة في التكتل صوّتوا مع التسوية فيما عارضها آخرون، كذلك لم يلتزموا بالأسماء الخمسة ( للمجلس الدستوري) التي تمّت التسوية السياسية عليها، مشيراً الى انّه لجأ الى الاختيار بين مرشحين على معرفة بهم، واما الآخرون فلا يعرف غالبيتهم.

وقال: «انّ النواب حصلوا على أسماء قائمة المرشحين لعضوية الدستوري في وقت متأخّر، وهو امر غير مقبول، اذ كان الافضل توزيع الاسماء على النواب قبل 5 ايام على الاقل للسؤال عن المرشحين». 

واشار افرام، الى انّ التسويات السياسية هي المتبعة في لبنان، «ولكني أرفض أن تكون الطريقة الوحيدة عند التشريع. اذ يجب أن يكون لدى النواب خيارهم ويتعرفون الى المرشحين قبل الانتخاب، عندئذٍ نقرّر ما اذا كنا نساعد في التسوية، ندخل بها او نعترض عليها. وصحيح أنّ التسوية تسهّل الامور الا انها ليست خياراً وحيداً، والدليل اننا اليوم لم نصوّت جميعاً لهذه التسوية».