لا بد للناس من نظام عادل , يؤسس سلطة تقوم برعاية شؤون الناس والمجتمع , لان إنعدام السلطة في المجتمع , وغياب مَن يقوم بشؤون الناس على أساس العدل والقانون , يعني الفوضى الماحقة  وسيادة شريعة الغاب , ولما كان الاسلام يهتم بالاجتماع الانساني فإن عنايته بالعدالة فاقت عنايته بالعبادة , لأن العدالة تضمن حقوق وحريات الانسان مما تساعده على أداء العبادة لله بصدق وأمان ,  وغاية العبادة إزالة الفحشاء والمنكر من بين الناس ليعيش الناس بسلام وأمان , فتتكامل أهداف الرسالات اذا ساد العدل في المجتمع , فتكون سلطة عادلة متصالحة مع الناس , والناس متصالحون معها , فلا يبق أي عذر عند الناس لإستعمال الاساليب الملتوية من أجل تحصيل حقوقهم الطبيعية والمفروضة لهم وعليهم .

هنا يفرض السؤال نفسه , لماذا ركّز الاسلام على عدالة الحاكم وعلى شرعية السلطة ؟ نقول ان من أهم الاسباب التي تدفع بالانسان الى ارتكاب الخطأ والخطيئة الاجتماعية سواء بحق أخيه الانسان او بحق السلطة والقانون , هو غياب العدالة الاجتماعية التي ينبغي على السلطة تأمينها من أجل حماية حقوق الانسان وبالتالي تأمين الفرص والاساليب والطرق السليمة والقانونية يعتمدها الانسان لتحصيل حقوقه , وهذه الامور لا يمكن للسلطة  غير العادلة ان تؤمنها , فيعمد الانسان الذي يعيش في مجتمع تسوده اللاعدالة الى استعمال أساليب غير شرعية وغير أخلاقية من أجل تأمين ما يحتاجه في الحياة من ضرورات العيش , من هنا يكثر الكذب والنفاق والمداهنة وغيرها من الاساليب اللااخلاقية , وفي كثير من الاحيان يضطر الانسان الى ان يدعي ما ليس فيه تماشيا مع السائد , كما يحصل اليوم في مجتمعاتنا العربية والاسلامية التي تسودها اللاعدالة , مثلا يدعي الانسان انه متدين وهو ليس كذلك فقط من أجل إرضاء السائد الذي لا يعطي الا لمن تلبس بهذا اللباس اي التدين , فيكثر في هذه الحالة النفاق وقد يسود النفاق في المجتمع ويتحول الى مرض إجتماعي خطير , وهكذا تكثر الموبقات في الاجتماع بسبب غياب العدالة والمساواة , وسيطرة حالة الظلم والاستبداد .

من هنا ركز الاسلام على أن يكون الحاكم عادلا للتخلص من تلك الآفات الاخلاقية والاجتماعية , فقال عز من قال في كتابه الكريم " إن الله يأمركم أن تؤدوا ألامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " , وغيرها من الايات والروايات الكثيرة التي تحض على العدل في الحكم وعلى العدالة الاجتماعية , لمساعدة الناس من التخلص من أساليب الكذب والنفاق وتؤدي لله عبادتها براحة نفسية , وهذا من أفضل الحالات التي تعتري الانسان أثناء تأدية عبادته لانها تكون خالصة لله , لا يضطر الانسان ان يرائي أحدا من الحكام والمسؤولين , وبالتالي يتخلص الانسان من مرض المداراة للحاكم والخوف منه , فيمكنه ان يوجه له النقد وهو مطمئن على نفسه لا تأخذه في الله لومة لائم , فتتكامل النصيحة بين الحاكم والمحكوم وهذا من أهم أهداف الشريعة ومقصد مهم من مقاصدها