بعد أيام على جريمة طرابلس، بدأت التحقيقات تسلك طريقها ولو بصعوبة لفك لغز وملابسات الجريمة الارهابية وخلفياتها ودوافعها، وما إذا كان هناك من محرّك او محرّكين للانتحاري عبد الرحمن المبسوط. التحقيقات تُجرى مع 14 شخصاً ما زالوا موقوفين على ذمّة التحقيق، منهم من عَرِف ومنهم من تقاعس عندما عَرِف بوجود نيّة إجرامية لدى المبسوط، ولكل من هؤلاء حيّز في التحقيق الذي يُستكمل قبل إحالة الملف الى القضاء.
 

تشير المعطيات المتوفّرة إلى بعض من الملابسات التي سبقت الجريمة وأحاطت بها ونوجزها بالآتي:

ـ أولاً، كانت زوجة المبسوط اول من شعر بوجود نيّة جرمية لديه، فهو باع أثاث منزله وبدأ يتصرّف على انه سيطلّقها، ووصل به الأمر الى تنفيذ ما عزم عليه، فما كان منها الّا الالتجاء الى ذويها، وهناك توجّس الأهل مما قد يُقدم عليه المبسوط، فأبلغ احد جيران ذويها أحد عناصر مديرية المخابرات في الجيش اللبناني. وعند توجّه الزوجة إلى احد الفروع العسكرية لتدلي بما لديها، ولسوء الحظ، كان ذلك بالتزامن مع بدء المبسوط عمليته، ولم يسعف الإبلاغ وقف التنفيذ لأنه كان قد شرع بالأمر.

ـ ثانياً، يشمل التحقيق من اشترى الأثاث من المبسوط، ومدى معرفته بنية المبسوط بنواياه الارهابية، وكان يتوجب على هذا الشخص إبلاغ أي جهة أمنية بالأمر، ولكان أيضاً أُمكن استدراك العمل الارهابي. كذلك يشمل التحقيق الاشخاص الذين اشترى منهم المبسوط سلاح الكلاشنيكوف ومخازنه الثمانية التي استعملها أي 240 رصاصة، وثلاث قنابل (رمانات) يدوية، وقد استعمل بعضها في عملية القتل المركّبة بمراحلها الأربع، فيما بقي عدد منها معه عندما لجأ الى الشقة، حيث تمّ دهمه وقتله، وكان لا يزال يمتلك رمانة يدويّة وكميّة من الرصاص المتفجّر.

ـ ثالثاً، يملك المبسوط الفكر التكفيري، الذي سبق ان استلهمه من رفاق له في تلك التنظيمات،عندما غادر إلى سوريا وخضع لدورة شرعية. وقد تطلبت عملية المبسوط جهداً كبيراً في التحقيق، باعتبار انه نفّذ عمليته بمفرده، وهذا النوع من العمليات من الصعب التحقيق فيه، على عكس العمليات التي تُنفّذ من قبل الخلايا التي تضمّ مجموعة من الأفراد، وربما تستعين القوى الأمنية بخبرات دول نُفّذت فيها عمليات «الذئب المنفرد» للمساعدة في استكمال التحقيق الذي لم يُحسم بعد.

ـ رابعاً، لم يحمل المبسوط حزاماً ناسفاً، بل اكتفى بالاسلحة التي اشتراها، وبعد قتله العسكريين تحصّن في الشقة المعروفة، حيث حاصرته قوى الجيش والامن الداخلي، فيما تولّت قوة خاصة في الجيش عملية الدهم، وتمّ تفجير باب الشقة بعد الاشتباه بتلغيمها.

وعلى الرغم من انّ الاوامر البديهيّة كانت القبض عليه حياً، فإنّه قُتِل نتيجة رمي قنبلة يدوية، في حين انّه كان لم يزل حتى مقتله يحتفظ برمانة وبكميّة من الرصاص، ولو قُبِض عليه حياً لكان التحقيق سلك طريقاً اسرع، لأنّه سيكون مصدر المعلومات الاساسي.

ـ خامساً، تتولّى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني التحقيقات، وتتعاون مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ومن المفترض أن لا تطول فترة التحقيق، قبل إحالة الملف الى القضاء. ولا تستبعد المصادر الأمنية ان يُكشف عن كل ملابسات الجريمة، وهي تشير الى أنّ الأمن مضبوط، وانّ التفاعل الايجابي لأهل طرابلس مع القوى العسكرية والأمنية كان له الأثر الكبير في تطويق الجريمة الإرهابية، وفي الاستعداد الوقائي لمنع تكرارها، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذا النوع من الارهاب لا يمكن أي دولة أن تدّعي القدرة على استئصاله، فالارهاب المنفرد، أخطر من الإرهاب الذي تمارسه الخلايا المنظمة.