إكتسبت  مؤسّسة الأمن العام اللّبنانيّ، عراقتها من تراكم جهود أسلاف أعضائها وخبراتهم بالإضافة إلى تضحياتهم، إلّا أنّها أضحت مؤخرًا ملاذًا تلجأ إليه الدّولة لـِ تغطية عجزها من جيب المواطن بحجّة إفادته. ويَسأل المواطن إلى متى سيبقى المواطن خاضعًا لهذه القرارات التي تتخذها الدّولة وتبدّلها بعد مدّة؟ وكيف سيتمكّن من مواجهتها لإبطال هكذا قرارات، إذا كانت لا تتكبّد مَشقّة الردّ على مراجعات مجلس شورى الدولة حتى؟ وكان أخرها ملف جوازات السفر.
 
أجرى موقع "لبنان الجديد"، مُقابلة مع مُحاميّات تجمّع "متّحدون ضدّ الفساد"، الأستاذة سمنتا الحجّار والأستاذة سينتيا حموي، للإستفسار حول من يُحدِّد تسعيرة جوازات السفر و على أيّ معايير توضع التسعيرة، أجابت: "إنّ الحكومة هي التي تحدد تسعيرة جوازات السفر، فقد ورد في مشروع موازنة العام 2019 مادّة حملت رقم 19 تجيز تعديل مدة صلاحية جواز السفر والرسوم المتوجبة عليه، فالحكومة تعمد إلى استبدال جواز السفر المحدّد بمدّة سنة ( بقيمة 60 ألف ليرة لبنانية فقط) بجواز آخر محددّ بثلاث سنوات (بقيمة 200 الف ليرة)، ولا شك بأن هناك كلفة على الدولة في طباعة وإصدار جواز السفر، لكن هذه الكلفة يمكن حصرها وتحديدها بشكل واضح، ومؤدّى ذلك خلاصة وحيدة بأن تعامل الدولة مع المواطن تنقصه الأمانة".
وتابعت:" ففي حين يدفع المواطن في بلاد أخرى مبلغا لا يتجاوز الثلاثين دولاراً، نجد بأن المواطن اللبناني يُجبَر على دفع أكثر من مئة وثلاثين دولاراً، فإذن هناك حاجة ماسة لإيجاد رادع يمنع هذا الأمر، وقد أخذنا المبادرة معتبرين ان سدّ هذه الحاجة واجب علينا في تحالف متحدون ضد الفساد".
وإن كان هناك من صفقات تُبرم، لأنّ كلّ فترة يتمّ تغيير جوازات السفر، ردّت:"  لا يوجد سبب قانوني معيّن لتغيير جوازات السفر كل فترة، مع لحظ الوضع الاقتصادي الذي يمرّ به البلد. إلاّ أن الجهات المعنية تأخذ من الوضع الاقتصادي ذريعة لذلك، فلا شك بأنّ هنالك صفقات يأخذ القرار فيها نافذون في الدولة، بعيداً عن الشرعية، ولا يضعون في حسبانهم مصلحة المواطن على الإطلاق".
 
 
أمّا عن أرباح الدولة على كلّ جواز، قالت:" تتذرّع الدّولة بحجّة مفادها أنّ الرّسم المفروض على تجديد جواز السّفر لن يتجاوز الـ 20 ألف ليرة، وسيكون هذا المردود للخزينة فقط، إلاّ ان الكلام عن نسبة ربح الدّولة من كلّ جواز سفر يوجب معرفة الكلفة الحقيقيّة لطباعة وإصدار الجواز، وهو أمر ليس بيسير في لبنان، لأنّ الرّيبة ترافق مسار كلّ عقد نفقة في الدّولة "، مُوضّحةً أنّه "من المؤكّد أنّ هذه الكلفة يمكن حصرها وتحديدها بشكلٍ واضح، إلاّ أنّ تعامل الدّولة مع المواطن تنقصه الشفافيّة والمسؤوليّة للأسف" .
 
وشرّعَت الدّولة اللّبنانيّة، قرارًا جديدًا يتعلّق بجواز السّفر اللّبنانيّ وهو مشروع كان قد تمّ طرحه عام 2008، وفي قرار"غير متوقّع" صدرَ عن مجلس الوزراء وباقتراح من وزير الدّاخليّة والبلديّات السّابق "نهاد المشنوق"، تمّ الإتفاق على تجديد جواز السّفر اللّبناني من خلال إستبداله من جواز سفؤ بخط اليد الى جواز سّفر بيومتري. نبّهت في وقتها المديريّة العامّة للأمن العام مواطنيها وأنذرتهم بأنّ على حاملي جوازات السّفر المجدّدة ضرورة إستبدالها بأخرى بيومتريّة جديدة، كـَ قرار مفروض عليهم وكـَ واجب لا بُدّ منه.
بعد ذلك، تراجعت الحكومة اللّبنانية عن قرارها بحيث سمحت لمواطنيها السّفر بجوازاتهم القديمة، فتكون قد عارضت نفسها بالكامل بعد أن تضرّر عدد من اللّبنانيين نتيجة هذا القرار،
جرّاء دفع الرّسم مرّة ثانية لتحويل جواز سفرهم المجدّد أصلاً إلى جواز سفر جديد من نوع البيومتري.
أثار هذا الأمر سخط البعض، فما كان منهم إلاّ أن تقدّموا بدعوى أمام "م.ش.د"،  لإبطال قرار إستبدال جوازات السّفر واسترجاع الرّسوم المدفوعة من المكلّفين بعد السّماح لهم باستخدام  جوازات سفرهم القديمة والمكتوبة بخط اليد.
 وحمل رئيس تجمّع "محامون متّحدون ضدّ الفساد"، الدّكتورالمحامي رامي علّيق، على عاتقه هذه القضيّة مُعتبرًا أنّها قضيّة وطنيّة جامعة تهمّ اللّبنانيّين جميعًا.
 
وفي تصريحٍ لـِ موقع "لبنان الجديد"، قال علّيق: "تقدّمتُ بمذكّرة ربط نزاع أمام وزارة الداخليّة والبلديّات مطالباً باسترداد الرسوم المدفوعة من قبل المكلفين وبتراجع الدولة عن خطئها بمعنى إبطال عمليّة الإستبدال لـِ جوازات السّفرخصوصًا وأنّني أرى أنّ المواطن اللّبناني قد وقع ضحيّة هذا القرار نتيجة دفعه الرّسم مرّتين وهو أمر مخالف للقانون".
 
وتابع: "رفضت الوزارة طلبات الجهة المستدعية الواردة في المذكّرة لأنّها تعتبرُ أنّ ما ورد فيها غير جدّيّ وليس سوى مراجعة إسترحاميّة والأهمّ أنّ رسم جواز السّفر مفروض قانوناً ولا يُمكن إعفاء أيّ شخص منه إلاّ بموجب القانون".
 
وأضاف: "ردّي كان سريعًا حيث بادرتُ إلى التقدّم بمراجعة أمام مجلس شورى الدّولة بوجه كلّ من الدولة. من ناحية أخرى، وللأسف بقيت هذه المراجعة القضائيّة دون إجابة، حيثُ قد استنكفت الجهّة المعنيّة عن الردّ".
 
وشرح:"  تخطّت المراجعة القضائيّة، المهلة القانونيّة المُعطاة لها لذلك وأمام هذا الواقع لا يسعنا القول سوى أنّ الدّولة اللّبنانية قد تهرّبت من المواجهة كعادتها، غير آبهة بحقوق المواطن، حتّى أنّها لم تضع نفسها في موقع التبرير لتجاوزاتها".
 
ونحنُ اليوم أمام  المشهد نفسه، فنشهد على حادثة جديدة مُتعلّقة بجوازات السّفر اللّبنانيّة، خصوصًا بعد ورد في مشروع الموازنة للعام 2019 مادّة تجيز تعديل مدّة صلاحيّة جواز السّفر والرسوم المتوجّبة عليه على نحو يُعطى بموجبها جواز السّفر لمدّة ثلاث سنوات أو خمس سنوات أو عشر سنوات حسبما يطلب المستدعي لقاء رسم جديد، بمعنى آخر أنّه وبعد أن كان جائزًا تجديد جواز السّفر كلّ سنة، لقاء رسم قيمته 60 ألف ليرة لبنانيّة فقط، أصبح المواطن مُجبرًا على تجديد جواز سفره كلّ ثلاث سنوات على الأقلّ، وذلك لقاء رسم قيمته 200 ألف ليرة.
 
وتتذرّع الدّولة بحجّة مفادها أنّ هذا الرّسم المفروض على تجديد جواز السّفر لمدة ثلاث سنوات موازٍ لتجديده كلّ سنة، إذ أن الفارق لن يتجاوز الـ 20 ألف ليرة، وسيكون هذا المردود للخزينة فقط.
 
وختم قائلًا: "استنكفت الجهة المعنيّة (الدّولة) عن الرّدّ، والأنكى مِن كلّ ذلك، أنه بدلا مِن محاسبته (أي سرحان) تمّ تعيينه وزيرًا للعدل".