الإنتصار بين الأماني الضائعة والأحلام التي ذهبت هباء.
 

أولاً: تحرير الجنوب اللبناني عام ٢٠٠٠.

 

بعد مرور يومين كاملين على الذكرى التاسعة عشرة لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في ٢٥ أيار عام ٢٠٠٠، يمكن ملاحظة ورصد ما صدر عن طرفين انخرطا في مقاومة الاحتلال: الطرف الأول هو جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية(جمول)، والتي أعلن انطلاقتها الشيوعيون (الحزب والمنظمة مع بعض الشخصيات الوطنية والقومية) ونظّموا عملياتها وأشرفوا على قيادتها، بدءاّ من بيروت والجبل وحتى مشارف الجنوب. 

والطرف الثاني هو حزب الله اللبناني، والذي خاض معارك ضارية ومتواصلة مع قوات الاحتلال على مدى أكثر من عشر سنوات، خاضها مُنفرداً بعد أن تمّ استبعاد الطرف الأول بالتّرغيب والتّرهيب كما يُقال، وما زالت صيحة الأستاذ نبيه بري(قائد حركة أمل) عام ١٩٨٣ بوجه فصائل الحركة الوطنية ماثلة في الأذهان: لا للعودة لما قبل العام ١٩٨٢، وبالفعل فقد تمّ الإنتقام من قوى اليسار والحركة الشيوعية، والتي كانت منخرطة في الحرب الاهلية، وجرت تصفية مواقع بعضها وتدجين البعض الآخر. 

 

إقرأ أيضًا: السيد قشاقش والمتاجرة بشهادة الإمام الحسين(ع)

 

ثانياً: المقاومة الإسلامية في لبنان.

 

تميّزت ذكرى ٢٥ أيار هذا العام بإلغاء حزب الله الاحتفال المركزي المعتاد كل عام، كما خفتت أصوات قادة تيار المقاومة والممانعة، والتي كانت تملأ الفضاء بأناشيد التحرير والفداء والتبجيل لدماء الشهداء الزكية، أمام هول ما آلت إليه أحوال الوطن الغارق في أزماته السياسية والأمنية والإجتماعية والأخلاقية والدينية والاقتصادية، وآثرت الصمت (عن حكمة ربما هذه المرة) في إطلاق التبجّحات والعنتريات واستعراض العضلات البهلواني أمام ما تتعرض له إيران وحلفاؤها هذه الأيام من هجمة أميركية بهدف تطويعها وفرض انسحابها من مناطق نفوذها العربية. 
ثالثاً: فلول الحركة الوطنية.

وقف معظم الذين ما زالوا في مواقعهم "الوطنية" الغابرة موقف التّغنّي بامجاد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بدءاً من بيروت والجبل وحتى مشارف الجنوب مطلع ثمانينيات القرن الماضي،  واعادوا التذكير ببعض المواجهات الحامية مع العدو الصهيوني، كما دأبوا على توجيه التحيات لأبطالها الشهداء، وزيارة أضرحة المقاومين، وخاصةّ شهداء بلدة بنت جبيل الذين كانوا أول من تصدّى للاجتياح الإسرائيلي في حزيران عام ١٩٨٢. إلاّ أنّ ما طغى على خطاب قادة هذه الحركة هو التّحسُّر على الأماني الضائعة والأحلام التي ذهبت هباءً، مع الذهول والاستغراب ممّا آلت إليه الأوضاع في لبنان، سواء منها السياسية والأمنية والإجتماعية، واعتلاء سماسرة الثورات ولصوص المال العام-مع جوقة من الانتهازيين والوصوليين- سدّة المناصب القيادية والحكومية والنقابية، ووضع اليد على المجالس البلدية وصناديق مُخصّصة للهدر والفساد، بالإضافة لتلويث البيئة وهتك الوحدة الوطنية، وتضييق الخناق على الفقراء والمساكين وصغار الكسبة، لصالح حيتان المال وتُجّار الدماء وبائعي الاوطان بالجملة والمفرّق.

 

إقرأ أيضًا: كاميرات لمراقبة الطلاب والمعلمين بدل مُراقبة المسؤلين

 

لم ينفع هؤلاء الوطنيين الحنين لماضٍ قد تولّى، كما يزيد في غربتهم وشقائهم تبعثر قواهم، وافتقادهم الحدّ الأدنى من الحيوية للمّ الشّمل والإجماع على أهدافٍ مشروعة وواقعية وجريئة، ولعلّ المهمة الأولى الضائعة، والتي لم يجرؤ أحدٌ منهم حتى الآن مراجعتها بجدية، هي التساؤل المشروع، لماذا قامرت الحركة الوطنية (ذات التاريخ النضالي منذ الخمسينات والستينات من القرن الماضي) بالمصير الوطني اللبناني مع منظمة التحرير الفلسطينية، وإشعال الفتنة الطائفية السياسية والانخراط في حربٍ أهلية مُدمّرة على مدى خمسة عشر عاماً، واستجلبت الاحتلال الإسرائيلي ومن ثمّ الوصاية السورية، وثالثةُ الأثافي الحضور الإيراني الطاغي بواسطة حزب الله، والذي نشهد هذه الأيام بسببه أحلك الظروف الصعبة التي تحيق بالبلد بلا مظلّة عربية أو دولية، وبالطبع لا توجد مظلة إسلامية سواءٌ منها الشيعية أو السُّنّية.