دلفت الأمهات إلى العالم الافتراضي بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية، فقد استطاعت ربّات البيوت اختراق عالم شبكات التواصل الاجتماعي سواء كان فيسبوك، واتس آب، أو إنستغرام. فقد اقتحمن هذا العالم فجأة ومن دون سابق إنذار، الأمر الذي دفعهن إلى التعامل معه بشكل عفوي يتناسب مع عقول هذا الجيل، مما نتج عن ذلك إساءة استخدام قد تصل إلى حدّ السذاجة دون قصد منهنّ.
 
استطاع الفيسبوك أن يبهر الشباب ويجذبهم إليه، فأصبح الشاب يقضي أغلب ساعات يومه على الإنترنت دون أن يرمش له جفن. فما بالك بجيل كان لا ينتمي إلى هذا العالم لا من قريب ولا من بعيد، ثم أحطناه بكل هذه البرامج الإلكترونية التي تبدو في أول الأمر صعبة ومتشابكة، ثم سرعان ما تنحلّ ألغازها ويسهل استخدامها، ومن ثمّ الإدمان الذي يستحيل بعدها التخلص منها أو الإقلاع عنها.
 
استطاع الإنترنت أن يجتاح جميع الفئات العمرية بلا استثناء، فبدلاً من أن تصمد الأمهات أمام هذا الشبح الذي يطارد أبناءها، انجرفت هي الأخرى في دوامة الحياة الإلكترونية دون وعي منها. فلن تكتفي الأمّ المصرية بالانضمام إلى شبكات التواصل الاجتماعي فحسب، بل خلقت لنفسها عالماً من اللاشيء يمكن من خلاله أن تشارك وتصبح عضواً نشطاً وسريع التنقل بين البرامج الإلكترونية المختلفة مثل نشر يومها بكل تفاصيله، بداية من المطبخ وأثاث المنزل وصولاً إلى زوجها وأولادها.
 
ومن هنا تحوّل دورها من مراقب لأولادها في تقليص عدد ساعات الجلوس على الإنترنت وإغلاق الأجهزة في حال الاستخدام المفرط منهم، إلى شخص ضمن مجموعة أشخاص يجلسون مع بعضهم البعض من دون أن يرفع أحد عينه عن جهازه، فهي جلسة تتجمّع فيها العائلة تجنباً لتأنيب الضمير فقط لا غير.
لا نطالب بامتناع الأمهات عن السوشيال ميديا نهائياً، ولكن كل ما نريده هو استخدامه بشكل عادل بحيث لا يظلم حقّ بيتها وعائلتها، واستخدامه في كل ما يفيد، سواء لها أو لمن حولها، وأن تفصل بين حياتها الشخصية وبين صداقاتها على الفيسبوك، ولا تجعل حياتها العائلية مجالاً لنقاش العامة، لأنها في النهاية تتعامل مع مجموعة بشر من خلال لوحة المفاتيح والتي تخلو تماماً من المشاعر وقد تخبّئ لها نوايا خبيثة لا تقدر على رؤيتها، ومن ثمّ تتحمل عواقبها المتجسدة في خراب البيت ونشر الفتن بين أفراد الأسرة الواحدة.
 
بات الإنترنت من أساسيات الحياة التي يجب أن يوفرها ربّ الأسرة لأبنائه، فالبيوت المصرية أصبحت لا تخلو من الرواتر والباقات الشهرية، فقد يكون الاشتراك الشهري يمثل عبئاً على دخل الأسرة، إلا أنه لا يمكن إلغاء هذا البند من ميزانية الأسرة، لأن المسألة أصبحت "حياة أو موتاً" بالنسبة لأفراده، فلم نسمع عن مدمن أخذ قرار التعافي بسهولة ووافق على تحمّل أعراض الانسحاب بشجاعة، كذلك أصبح حالنا مع الإنترنت، فضلاً عن حال العائلات المصرية الذي يستدعي الشفقة عليها والتعاطف معها.
 
الإنترنت وسيلة لتكوين صداقات حول العالم، اكتساب معلومة، بحث عن وظيفة، تعلم لغة، تدعيم نشاط خيري، توسيع نطاق العمل في المجالات المختلفة. ولكننا استخدمنا الوجه الآخر له المتمثل في نشر الأكاذيب وترويج الإشاعات، والقيام بعمليات النصب من خلال انتحال أسماء ووظائف بعض الشخصيات، وإنشاء صفحات مفبركة لاصطياد فريسة وابتزازها، ووسيلة للسخرية في بعض الأحيان وللشتائم في أحيان أخرى . تمكّنت سلبيات الفيسبوك أن تنتصر على الإيجابيات، وللأسف، كان للمستخدمين فضل كبير في ذلك، سواء كانت بإرادتهم أو دون ذلك.