بعد أشهر من الانتظار، خرج مشروع الموازنة من مكتب وزير المالية، وانتقلت المباحثات بشأنه من منزل رئيس الحكومة إلى طاولة مجلس الوزراء. قرر رئيس الجمهورية استعجال بت الموازنة، فيما لا تزال القوى السياسية مختلفة حول البنود التي سيطالها خفض الانفاق

هل بدأت جبهة المطالبين بتحميل موظفي القطاع العام كلفة خفض الإنفاق وعجز الموازنة بالتصدّع؟ غالبية الذين اقترحوا خفض الرواتب بنسبة 15 في المئة بدءاً من العام الجاري وزيادة الضريبة على القيمة المضافة حتى 15 في المئة وفرض رسم 5000 ليرة على كل صفيحة بنزين بدءاً من عام 2021، غالبية هؤلاء تحاول التنصل من اقتراحاتها. رئيس الحكومة سعد الحريري خرج أمس لينفي ما نشرته «الأخبار» (مقترحاته لعلاج الازمة المالية) ببيان قليل التهذيب، واصفاً «الأخبار» بـ«البوق» الذي «يبخّ الإساءات اليومية»، ومتحدّثاً عن «مشروع للنهوض الاقتصادي» لم ير أحد معالمه بعد. يدرك الحريري جيداً أن «الأخبار» أدّت واجبها المهني بكشف ما يدور خلف الأبواب المغلقة، وخاصة لجهة السعي إلى اعتماد «المزيد من الشيء نفسه، وتوقّع نتائج مختلفة له». وفضْحُ تلك النوايا التي عبّرت عنها ورقته المالية التي تلاها وزير المال علي حسن خليل في الاجتماع في منزل رئيس الحكومة ليل 14 نيسان الجاري، أدى إلى إحراج غالبية الذين تبنوا اقتراحات تمس بالفئتين المتوسطة والمحدودة الدخل، وتسعى إلى إعفاء أصحاب المصارف وكبار المودعين وغيرهم من أصحاب الثروات من تحمّل كلفة في خفض العجز توازي النسبة التي حققوها من الثروة طوال السنوات الماضية. من هنا، يصبح مفهوماً غضب الحريري، ولجوؤه إلى تعابير لا تشبه رجل دولة عصري يؤمن بدور الصحافة الحرة، ويحمل «مشاريع للنهوض»، بل تذكّر بأداء إدارة معتقل الريتز.

سبب آخر لغضب الحريري هو موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم عيد الفصح في بكركي، عندما انتقد الإبطاء ببت الموازنة. كلام عون كان موجهاً إلى الحريري وخليل، وهو نتيجة قرار اتخذه الرئيس بسحب المشاورات بشأن مشروع الموازنة من غرفة في منزل رئيس الحكومة، وإعادته إلى طاولة مجلس الوزراء. بناءً على ذلك، أحال خليل أمس مشروع الموازنة على الامانة العام لمجلس الوزراء الذي سينعقد الخميس، من دون أن يتضح ما إذا كان المشروع سيُضاف إلى جدول الاعمال، أم أن البحث به سيُرجأ الى جلسات تُخصَّص له بدءاً من يوم الجمعة. وبدءاً من اليوم ستتضح المواقف النهائية لمختلف القوى من اقتراحات خفض الانفاق، إذ سيتخذ حزب الله قراره النهائي بشأن ما عُرِض عليه من أفكار، فضلاً عن تقديم مقترحاته لخفض العجز والإنفاق. وبحسب مصادر مطلعة، فإن الخلافات لا تزال متمحورة حول 3 بنود رئيسية:
أولاً، الرواتب والاجور والتعويضات والتقديمات للموظفين المدنيين في القطاع العام، ومدى تجاوب الشركاء الحكوميين مع مطلب خفضها؛
ثانياً، التقديمات الملحقة برواتب العسكريين والأمنيين،
ثالثاً، القدر الذي ستتحمّله المصارف ومصرف لبنان لجهة خفض كلفة الدين العام.


وظهر الخلاف أمس إلى العلن مع مؤتمر صحافي عقده وزير الدفاع الياس بوصعب، أكّد فيه أن قيادة الجيش ملتزمة بالحد من الإنفاق، منتقداً تصوير نفقات وزارة الدفاع كسبب وحيد للعجز. وقال بوصعب «إن حفظ الأمن يستلزم الحفاظ على معنويات العسكريين وعدم المس بحقوقهم الأساسية ولا سيما الرواتب». وبالنسبة لـ«التدبير رقم 3» المتعلق بكيفية احتساب تعويضات نهاية الخدمة للعسكريين (منح المتقاعد رواتب 3 شهور عن كل سنة خدمة)، لفت بوصعب إلى أنه «يُمنح للعسكريين بموجب مهمات حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب والتصدي للعدو الإسرائيلي». وربط الاستعداد بتعديل هذا التدبير بصدور قرار عن مجلس الوزراء يخفض جهوزية الجيش. وفي مقابل «تصعيبه» التنازل عن «التدبير رقم 3»، فتح بوصعب الباب أمام إجراءات بعيدة الأمد، تسمح بخفض الإنفاق العسكري، من خلال تعديل بعض الأنظمة وإقرار المراسيم التطبيقية لقانون الدفاع، فضلاً عن وجود «توجّه لعدم تطويع دفعة من التلامذة الضباط هذا العام، ولتخفيض عديد الجيش بمقدار عشرة آلاف عنصر في غضون خمس سنوات، وتخفيض عديد العمداء بشكل تدريجي وصولا إلى 120 عميدا (من أصل أكثر من 500 حالياً)، ضمن خطة متكاملة ستبحث في مجلس الوزراء، وتشمل زيادة حجم مشاركة قوى الأمن الداخلي في عمليات حفظ الأمن».