تمكنت الاتصالات الحثيثة، في أوّل يوم عمل فاصل بين عيدي الفصح الغربي والشرقي، من تذليل عقبات ثلاث، مترابطة: الإتفاق على عقد جلسة لمجلس الوزراء (غداً الخميس)، والاتفاق ثانياً، على عقد الجلسة في قصر بعبدا، بجدول أعمال وزّع على الوزراء (38 بنداً)، والاسراع بإحالة الموازنة معدَّلة مع الإجراءات التخفيضية والتقرير التفصيلي لأهداف المشروع الي الأمانة العامة إلى مجلس الوزراء، وسط توقع بأن تحال إلى الجلسة، بملحق، لإقرار المشروع بوقت غير بعيد، تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب، واقراره ضمن العقد العادي الذي ينتهي في 31 أيّار المقبل.
ووفقا لمعلومات جدّية، فإن المشروع سلك طريقه بعد أن تلقى الرئيس سعد الحريري أجوبة القوى السياسية، معرباً عن أمله خلال افتتاح المؤتمر المصرفي العربي، بأن الإصلاح يجب ان يتم، وان الموازنة يتعين ان تكون خلال الأيام المقبلة على جدول طاولة مجلس الوزراء.. وسط مؤشرات أبرزها ان الاقتصاد سليم، وفقا لما أكدَّه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مشيراً إلى ان المعطيات الموجودة لا تؤشر إلى الإفلاس، فما يمكن ان أؤكده ان كان من ناحية موجودات مصرف لبنان، أو من ناحية موجودات القطاع المصرفي.. معلناً استمراره بالتفاؤل..
لكن مصادر سياسية مطلعة قالت لـ«اللواء» ان انعقاد مجلس الوزراء في القصر الجمهوري هو دليل على ان مشروع الموازنة سيكون حاضرا على طاولة الحكومة او بالاحرى سيتيح المجال امام انطلاقة البحث في المشروع.
ولفتت المصادر الى ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يملك سلسلة مقترحات يعرضها في ما خص الموازنة وقد تساهم في مسألة التقشف دون ان يطاول ذلك الطبقة الفقيرة.
وفهم من المصادر  ان الرئيس عون تابع ملف الموازنة في سلسلة اتصالات واجتماعات عقدها مشيرة الى ان اي لقاء بين الرئيس عون والرئيس سعد الحريري قد يكون كفيلا بخلق جو مؤات للبحث في هذا الملف مع العلم ان اتصال المعايدة بينهما تركز على هذا الأمر.
وفي السياق علمت «اللواء» أيضاً انه حتى مساء امس لم يتسلم الوزراء اي ملحق عن الجدول او تفصيل معين عن الموازنة بإنتظار اليوم الأربعاء.
وسط ذلك، ترددت معلومات غير مؤكدة، ان الرئيس الحريري قد يزور قصر بعبدا اليوم، للتداول في موضوع الموازنة، في ضوء المداولات التي جرت مع وزير الدفاع الياس بو صعب، الذي التقى رئيس الحكومة أمس، وأعلن قبل ذلك عن توجه الجيش إلى موازنة تقشفية تعمل عليها القيادة.
الموازنة في مجلس الوزراء
عملياً، يُمكن القول، ان مشروع الموازنة الجديدة للعام 2019 سلك طريقه إلى مجلس الوزراء، لكنه ما زال بحاجة إلى بعض «الرتوش السياسية» والتي يفترض ان تتأمن اليوم، إذا ما حسنت النيّات، عبر إبلاغ الفرقاء السياسيين موقفهم النهائي من المشروع إلى رئيس الحكومة سعد الحريري بخصوص المقترحات الواردة لخفض الانفاق ووقف الهدر في المال العام، والاصلاحات التي يجب لحظها لتخفيف العجز، قبل عرضه على مجلس الوزراء الذي دعي إلى جلسة عادية في قصر بعبدا، قبل ظهر غد الخميس، للبحث في جدول أعمال مؤلف من 38 بنداً ادارياً ووظيفياً ومالياً بالإضافة الي هبات وسفر.
 لكن اللافت ان جدول الأعمال الذي وزّع أمس على الوزراء، لم يدرج ضمن بنوده، مشروع موازنة العام 2019 الذي احاله امس وزير المالية علي حسن خليل الى رئاسة مجلس الوزراء، «بالصيغة الجديدة المعدّلة والمواد القانونية المقترحة بعد تعويم أرقام المشروع الأساسي المحال بتاريخ 30 آب 2018، وتضمينه الإجراءات التقشفية في ضوء وضعية المالية العامة والعجز، مع التقرير التفصيلي المتضمن أهداف المشروع وفرضياته وتفصيلاته».
غير ان مصادر رسمية اشارت الى احتمال ان يُضاف مشروع الموازنة في ملحق خاص على جدول الاعمال العادي بحيث يقوم وزير المال بعرضه بصورة عامة وشرح ابرز مضامينه على ان يُوزع على الوزراء لدرسه وتخصيص جلسات خاصة متلاحقة لدرسه وإقراره في مجلس الوزراء قبل إحالته على المجلس النيابي، وفق معلومات تؤكد ضرورة إقراره في البرلمان قبل نهاية ايار المقبل حيث ينتهي مفعول قانون الصرف على القاعدة الاثني عشرية.
وقال الوزير خليل في حديث مع موقع «مستقبل ويب» الالكتروني ان هناك احتمالاً كبيراً بأن يُصار إلى عرض مشروع الموازنة على مجلس الوزراء غداً من خارج جدول الأعمال، مشيرا إلى انه رفع، أمس، الصيغة النهائية المعدلة إلى رئاسة الحكومة، وان الرئيس الحريري، بحسب ما فهم منه، سيعقد اجتماعاً وزارياً اليوم في «بيت الوسط» لبلورة الصيغة التوافقية المنشودة، في حال اكتملت الأجوبة من مختلف المكونات الوزارية.
ونفى خليل ان يكون الرئيس الحريري تأخر في عرض مشروع الموازنة على مجلس الوزراء، مشيراً إلى ان «معظم الوزراء الممثلين للكتل السياسية في الحكومة ممن شاركوا في اجتماعات «بيت الوسط» كانوا قد طلبوا من الرئيس الحريري مزيداً من الوقت لتقديم إجابات على الصيغ الأخيرة للموازنة»، موضحاً أنه «وبينما سلم بعض الأفرقاء إجاباتهم لرئيس الحكومة بقي بعض القوى لم يسلموا إجاباتهم كـ«حزب الله» الذي استمهل حتى الغد لذلك، فآثر رئيس الحكومة التريث بانتظار اكتمال الأجوبة لكي تتأمن أفضل الأجواء التوافقية لمناقشة الموازنة».
ورداً على سؤال حول ما أثير إعلامياً عن اجتماع اقتصادي – مالي لمناقشة ملف الموازنة في قصر بعبدا، استغرب خليل «الكلام المضخّم» بهذا الخصوص مؤكداً أنه كلام «غير صحيح».
الحريري: خلال أيام
اما الرئيس الحريري، فقد أعلن في الكلمة التي ألقاها خلال افتتاح المؤتمر المصرفي العربي للعام 2019، بأنه «يأمل وضع الموازنة خلال الأيام المقبلة على طاولة الحكومة»، مشيراً إلى ان «لديه الثقة بأن الرئيسين عون ونبيه برّي حريصان على ان يكون هناك تقشف ومحاربة للهدر».
وقال ان ما يهمه هو ان يحصل الإصلاح ولا يهم من يأخذ النتيجة، لأن لبنان لا يمكن ان يكمل بقوانين قديمة، لافتاً إلى ان المصارف التي حمت لبنان لم تقصر، إنما المشكلة هي ان الدولة لم تقم بالاصلاحات التي كان يجب ان تقوم بها، ففي باريس -2 قامت المصارف بواجبها بإعطاء لبنان المبلغ المطلوب، والدولة أخذت هذه الأموال وصرفتها دون ان تقوم بالاصلاحات.
وكان المكتب الإعلامي للرئيس الحريري قد أوضح في بيان ردّ فيه على ما وصفه بـ«اساءات» إحدى الصحف اليومية، عبر تسريب ورقة اقتصادية مالية مزعومة لرئيس الحكومة، ان «ورقة الإصلاحات والإجراءات المطلوبة لخفض العجز ووقف الهدر موضع نقاش مسؤول مع كافة المكونات في الحكومة ستتم ترجمته بمشروع الموازنة الذي سيرفعه وزير المال إلى مجلس الوزراء»، معتبراً بأن ما نشر في الصحيفة المذكورة فيه الكثير من الفبركات، علماً ان بعض ما نشر، أمس، كان الوزير خليل قد كشف عنه في مقابلته التلفزيونية يوم الخميس الماضي، بالنسبة إلى وجود فكرة بتجميد 15 في المائة من الرواتب لمدة 3 سنوات، على ان تعاد للموظفين تباعاً بدءاً من العام 2022 مع زيادة توازي نسبة التضخم المحققة بين عامي 2019 و2021، بالإضافة إلى زيادة أسعار المحروقات ورفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 في المائة.
ولوحظ ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اعتذر من المشاركين في المؤتمر المصرفي العربي، الوجود صناعة في لبنان، هي صناعة اليأس والتي تحاول منذ سنين هدم وتخريب الاقتصاد اللبناني، الا انها فشلت، مشيراً إلى اننا اليوم على أبواب حملة جديدة، لكني أؤكد بحسب المعطيات التي لدي بأنها ستفشل أيضاً.
لا موازنة دون توافق
ومهما كان أمر، فإن معظم المصادر السياسية، توقعت ان يسلك مشروع الموازنة مساره الطبيعي في أسرع وقت ممكن، خصوصاً وان جميع الأفرقاء أصبحوا على يقين بأن لا موازنة من دون توافق سياسي، مشيرة إلى ان الأوضاع الاقتصادية والمالية تزداد صعوبة، ولذلك فإن أي سجال سياسي قد يزيد الوضع تأزماً وقد يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الأوضاع برمتها، وعلى كل مسؤول من موقع مسؤوليته التنبه للمخاطر التي قد تصيب البلد من جرّاء «دعسة ناقصة»، سواء كانت سياسية أو اقتصادية- مالية، لافتة إلى ان موقف الرئيس الحريري الرافض للدخول بأي سجال سياسي مع أحد يأتي من هذا المنطلق، لأنه يضع نصب عينيه مصلحة البلد التي هي أولوية لديه، ولان البلد لم يعد يحتمل أي خضات.
وأشارت المصادر إلى أهمية التوافق السياسي على المشروع المعدل الذي رفعه وزير المال قبل عرضه على مجلس الوزراء حتى يتحمل جميع الأفرقاء السياسيين الممثلين في الحكومة مسؤولية هذه الموازنة كي لا يشعر المواطن ان هناك فريقاً ضده وآخر معه، خصوصاً وأنه كان من اللافت صدور بعض المواقف الشعبوية التي يراد منها تسجيل ارصدة سياسية.
من هنا تتوقع هذه المصادر ان يؤكد مجلس الوزراء في جلسته غداً الخميس على اهمية التضامن الوزاري في مشروع الموازنة الذي سيتم درسه في اقرب وقت، لإنجازه من قبل مجلس الوزراء واحالته الى المجلس النيابي لمناقشته من قبل لجنة المال والموازنة من خلال جلسات مكثفة، ومن ثم اقراره في المجلس النيابي في الموعد المحدد دستوريا.
تجدر الإشارة إلى ان وزير الدفاع الياس بو صعب زار أمس الرئيس الحريري في السراي وبحث معه موضوع موازنة الجيش، مؤكداً ان الجيش ملتزم بالسير بموازنة فيها تقشف، معلناً وقف التطوع في الكلية الحربية هذا العام.
بنود جدول الاعمال
يذكر ان ابرز بنود جدول اعمال جلسة الخميس تتضمن ثلاثة مشاريع مراسيم برفع الحد الادنى للاجور وتحويل رواتب المستخدمين واعطاء زيادة غلاء معيشة للمتعاقدين والاجراء وتعديل اسس احتساب  تعويض الصرف من الخدمة لكل من مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك ومصلحة استثمار مرفأ طرابلس، وتعديل المرسوم 1841 تاريخ 1999المتعلق برفع الحد الادنى للاجور في مؤسسة المحفوظات الوطنية وتحويل رواتب المستخدمين فيها وتعديل اسس احتساب تعويض الصرف من الخدمة. وطلب وزارة الاتصالات اخلاء جميع مباني المكاتب البريدية والشقق المستأجرة من قبل المديرية العامة للبريد في الوزارة على كل الاراضي اللبنانية.
كما يتضمن جدول الاعمال: عقد اتفاقيات بين لبنان وعدد من الدول والبنك الاسلامي في مجالات الدفاع والتنمية  وتمويل تطويرمرفأ طرابلس، ودعم القطاع الصحي، وطلب وزارة العدل الانضمام الى المنظمة الدولية للهجرة، وطلب تعديل المادة 100 من قانون ضريبة الدخل، وطلبات نقل اعتمادات الى عدد من الوازرات وفق القاعدة الاثني عشرية. وشؤون متفرقة، وبنود سفر وفود وقبول هبات لم تذكر تفصيلاتها عملا بقرار عدم تسريب هذه المواد.
سياسياً، تبرز اليوم زيارة سياسية لافتة تدل على تنامي العلاقة بين رئيس تيّار «المردة» سليمان فرنجية ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، في لقاء يعقد ظهراً في بيت الكتائب في الصيفي، ويأتي غداة إعلان فرنجية ترشحه للرئاسة، وان كان أوضح ان الظروف هي التي تحدد طبيعة المرحلة المقبلة.
الموفد السعودي
على صعيد آخر، أجرى مستشار خادم الحرمين الشريفين المشرف على مركز الملك سلمان للاغاثة الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الربيعة سلسلة لقاءات إعلامية في مقر اقامته في فندق «فينيسيا» في أعقاب جولة له في البقاع دشّن خلالها مدارس «اليونسكو المتوسطة» لدعم تعليم اللاجئين السوريين في بلدة سعدنايل، كما زار أزهر البقاع ومستشفى الهراوي الحكومي داعماً مركز قسم الكلى، مشدداً على أهمية التعاون السعودي- اللبناني على مستوى الاتفاقيات التي تُعزّز المساهمة في تأمين مواد غذائية وصحية للنازحين، كما عرض للاتفاقيات التي ابرمت في بيروت في هذا السياق.
وأكد الربيعة ان المملكة العربية السعودية تدعم التنمية والعمل الإنساني في لبنان الذي يُعاني من مشكلة وجود نازحين اضافوا عبئاً على عبء كبير في الاقتصاد.
وأشار إلى انه سيقام اليوم في فندق «الفور سيزن» تجمع انساني كبير يحمل رسائل عديدة، منها ان بيروت تحتضن ندوة إنسانية كبيرة، ومنها اطلاع المؤسسات الإنسانية الرسمية اللبنانية على آلية العمل الإنساني السعودي، والرسالة الثالثة توقيع اتفاقيات تخص الأمن الغذائي والصحة والتعليم وترسل رسالة لمن يشكك في هذه العلاقة بين البلدين.
وفي مقابلة تلفزيونية، لفت الربيعة إلى انه لم يعرف عن السعودية انها تتدخل بشؤون الدول، بل تقوم بأعمال إنسانية من دون اجندات سياسية، مشدداً بأن المملكة تريد للبنان الأمن والاستقرار والازدهار، وتريد ان ترى الاقتصاد اللبناني يتطور، كاشفاً أن قيمة الاتفاقيات التي ستوقع مع لبنان اليوم تبلغ نحو 17 مليون دولار.