في موازاة العيد، كان الطقس الاميركي عاصفاً حيال «حزب الله»، حيث اعلنت وزارة الخارجية الأميركية «أنّها تسعى الى قطع التدفق المالي الذي يصل إلى «حزب الله» من إيران، كما أعلنت عن «مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن أنشطة حزب الله».
وخلال إطلاق مبادرة جديدة للقضاء على تمويل «حزب الله»، أعلن مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية «أنّ التمويل بدأ يقلّ، ما دفع الحزب إلى التهديد بالضغط على الإقتصاد اللبناني، مؤكّداً أنّ واشنطن لن تترك أي نقطة للتحقق منها لمتابعة هؤلاء الأفراد. واعلن أنّ بلاده تسعى للحصول على أي معلومة حول أشخاص يساهمون في تمويل «حزب الله»، مؤكّداً أنّها ستدفع مكافأة مالية تصل إلى 10 ملايين دولار. ولفتت إلى انّها لا تفرّق بين الجناح السياسي والعسكري لـ»حزب الله» وتعتبره إرهابياً.

ملاكمة سياسية
اما قبل العيد لبنانياً، فالمشهد زنّرته علامات استفهام حول المدى الذي سيبلغه مد أيدي السياسيين على جيوب الناس، وبعد العيد، ازدادت الصورة غباشاً وتشويشاً.

عون: هواة
المناخ البارد الذي ساد في عطلة عيد الفصح، انسحب من الطبيعة على السياسة؛ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اعتلى منبر بكركي وقصف «الهواة وقليلي الخبرة»، من دون ان يسمّيهم، حيث قال: «لبنان يمرّ في ازمة ونأمل ان تنتهي في اسرع وقت ممكن، لانّ الوضع لا يسمح بالتمادي في الوقت، ومن ليست لديه خبرة لينهيها بسرعة (ينهي الأزمة)، فليتفضل ويطلع على بعبدا. بنحللو ياها». وليس مقبولاً ان تستمر بهذه الوتيرة البطيئة.
ورداً على سؤال قال: «ما اقلق اللبنانيين هو كثرة الحديث خارج المحادثات الداخلية والاجراءات التي يتم درسها، كل شيء، قبل ان تُعرض الموازنة على مجلس الوزراء «ما بينحكى فيه» ولكن نحن «مش عميان» نحن نعرف انّ هناك معوزين وفقراء». ولن نفرض عليهم ضرائب ونعرف كيف ستُفرض وعلى من و»ما ينشغل بال اللبنانيين».

بكركي تدعم
موقف عون استُكمل بتغريدات بعض الوزراء المحسوبين عليه، تدعو الى «موازنة تقشفية عادلة، تُقرّ اولاً في مجلس الوزراء، وليس خارجه حيث بطولات المستدركين واجتهاد الهواة وارتباك التائهين». واللافت كان وقوف بكركي الى جانب رئيس الجمهورية. وبحسب مصادر كنسية لـ»الجمهورية» فإنّ الخلوة التي عقدها عون مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كانت ايجابية، والرئيس والبطريرك متفقان على خطورة الوضع، وانّ الاحوال المالية تتجه نحو الأسوأ بسرعة كبرى، وانّ عون اثنى على موقف الراعي الذي اكّد من جهته دعم الرئيس في كل الخطوات الإصلاحية التي يجب أن تُتخذ، ليس من الرئيس وحده بل من كل الأفرقاء».

تحذير فرنسي
تزامن ذلك، مع تحذير فرنسي، عبّر عنه السفير الفرنسي برونو فوشيه، خلال القداس الذي ترأسه الراعي على نيّة فرنسا امس، أنّ «الوضع في لبنان يثير قلقنا» آملاً ان تنفّذ الحكومة الإصلاحات الضرورية التي وعدت بها.

 
 

سبب استياء عون
موقف عون في بكركي أثار تساؤلات في الاوساط السياسية حول من هو المستهدف بكلامه، وما دفعه الى هذا التصعيد، وتعدّدت «الروايات والسيناريوهات»، التي أفاد بعضها بأنّ عون مستاء لأسباب عديدة، فلم يكن مرتاحاً لما صدر عن وزير الخارجية جبران باسيل حول الموظفين وخفض رواتبهم. وانّه قال ما قاله لوزير الخارجية حيال هذا «الفاول».
كما انّ عون، بحسب «الروايات»، لم يكن مرتاحاً لما عرضه وزير المال علي حسن خليل في مقابلته التلفزيونية الاسبوع الماضي، والتي أثنى عليها الحريري، بقوله:»بعد هذا الكلام بالتأكيد ليس كما قبله».
وتضيف «الروايات»: «انّ عون مستاء من مشاورات الحريري مع القوى السياسية التي يسعى من خلالها الى توفير غطاء سياسي للقرارات الكبيرة، اذ انّ هذه المشاورات اظهرت الرئيس وكأنه في موقع «المتفرج» لا اكثر.
وبحسب الروايات، فإنّ استياء عون قد زاد، حينما طرح قبل عطلة الفصح، عقد اجتماع في القصر الجمهوري حول هذا الموضوع، الا انّ رغبته هذه لم تلق استجابة، لاضطرار الحريري الى السفر لتمضية العطلة خارج لبنان.
وهو امر حمّس بعض المتفهمين لموقف رئيس الجمهورية الى القاء المسؤولية على رئيس الحكومة، «لحركته البطيئة، وانه يفضل شؤونه الخاصة على شؤون البلد، من خلال السفر المتواصل في الوقت الذي يتطلب الوضع منه حضوراً دائماً وجدّية كبيرة في مقاربة الامور والملفات الملحة، فضلاً عن عدم ابتداع اي فكرة إنقاذية لعجز الموازنة، واللجوء الى اسهل الطرق، التي من شأنها ان تفاقم الازمة اكثر».

الحريري: إمتعاض
وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، فإنّ الحريري نفسه، لم يكن مرتاحاً من الكلام الرئاسي، واعتبر انه يستهدفه شخصياً، ومع ذلك قرّر عدم التعليق، بأي كلام مباشر يصدر عنه شخصياً. الّا انّه تناول الموضوع باقتصاب في تصريح له بعد عودته الى بيروت امس، حيث قال: «أنا لا أريد الرد، أفهم انّ كلاً من الأحزاب السياسية يريد أن يزيد رصيده، ولكن بالنسبة لي هي النتيجة، وأن يقرّ مجلس الوزراء موازنة فيها اصلاح كبير جداً، من اجل مستقبل اولادنا، وما يهمّنا هو ان نتشارك جميعاً في هذا الموضوع. نريد ان نأكل العنب ولا نريد قتل الناطور، والخميس نكون جاهزين إن شاء لله».
وعلى الرغم من امتناع الحريري عن الرد، الا انّ الاشارات الصادرة من محيطه، توحي بوجود برودة في العلاقات بين الرئاستين الاولى والثالثة، وتعكس علامات استفهام حول خلفيات الهجوم الرئاسي على رئيس الحكومة. فيما اكّدت مصادر مطلعة على هذه الاجواء لـ»الجمهورية» انّ الحريري قرّر الّا يتخذ امتعاضه من الكلام الرئاسي، ذريعة لمقابلة التصعيد بالتصعيد، ومن هنا كان التأكيد عبر اوساطه بـ»أننا لا نريد الدخول في سجالات، والوقت للعمل وليس لتبادل الكلام عبر المنابر والعمل على الموازنة جار بكل جدّية».
وبحسب اوساط لصيقة بالحريري، فإنّه يعتبر انّ المرحلة الحالية مخصصة للعمل وليست للانزلاق الى الردود او المزايدات. وبالتالي هو لا يغامر ولا يتخذ قراراته على اساس عاطفي او انفعالي، وانما يعتمد المقاربة الموضوعية المتحسسة للمسؤولية، ويدعو الآخرين الى ملاقاته في هذه المقاربة. وسجلت ملاحظة لافتة تفيد انّ عون، عندما اعلن رفضه ان يتم البحث في الاجراءات التي يجب اتخاذها، على الملأ وخارج اطار النقاشات الداخلية، انتقد من حيث يدري او لا يدري، الوزير جبران باسيل، لأنّ باسيل هو الذي فعل ذلك وبدأ هذا النقاش».

تشويش!
من جهتها، قالت مصادر سياسية متفهمة لموقف الحريري، لـ«الجمهورية»: «كلام عون عكس غضباً واضحاً، واذا صحّ انّه منزعج من حركة الحريري والمشاورات التي يجريها في بيت الوسط وليس في بعبدا. فهذه تُعتبر دعسة ناقصة، حول باب الصلاحيات. فالحريري هو رئيس الحكومة، ويمارس صلاحياته في وضع الموازنة بعمل مباشر مع وزير المال، وبالتالي موقف رئيس الجمهورية يفترض ان يكون موقفاً ارشادياً وتحفيزياً، واما المهمة التنفيذية فهي لرئيس الحكومة».
اضافت المصادر: «دعونا نتواضع قليلاً، فالمكايدات لا تفيد، و»كل واحد يشتغل شغلو»، ودعونا ننتهِ من هذه الأزمة، ولتتوقف مهزلة انّ كل مرّة يأتي احد ما ليشتغل ويعمل، ينبري احد ما ليشوش عليه، هذه سياسة لا تنفع، ولا تحجب الحقائق ابداً. ولكن يبدو انّ هناك من هم مزعوجون لانّهم يريدون ان يظهروا وحدهم في موقع من يعمل ويُنجز، وانهم هم اصحاب الانجاز في كل شيء».
وتشير المصادر في هذا السياق الى ما قاله رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع في مقابلته مع موقع «القوات» امس، حول من سمّاها «احزاب اخرى لديها عقدة ولا يمكنها تقبُّل قيام غيرها بأعمال إيجابية».
وفيما يُنتظر ان يكون موضوع الموازنة على طاولة البحث الحكومي الخميس المقبل، صُرِف النظر عن اجتماع مالي كان ثمة توجّه لعقده في السراي الحكومي اليوم برئاسة الحريري، للبحث في التخفيضات التي ستطال الرواتب، وخصوصاً منها التي تفوق مخصصات رئيس الجمهورية. وذلك في وقت يدور على هذا الخط «سجال على الخفيف» حول هذا الامر، حيث سوّق الاعلام القريب من رئيس الجمهورية، انّ عون أخرج خلال كلمته من بكركي ذوي الدخل المحدود من ساحات السجالات»، فيما الاجواء السائدة في محيط رئيس الحكومة تؤكّد «انّ معالجة الازمة الاقتصادية تكون باجراءات تقشفية ضمن الحدود وضمن الحفاظ على الوضع المالي».

بري: عجِّلوا
إزاء ما استُجد، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري امام زواره: «قلت واكرّر القول، عجّلوا بالموازنة، ولا تتأخّروا فيها، وبلا تضييع وقت، صرنا محشورين بالوقت الذي يداهمنا، فمجلس النواب ينتظر، وهناك مهلة محددة للاجازة للحكومة الصرف على القاعدة الاثني عشرية تنتهي في 31 ايار المقبل، ويُفترض قبل هذا التاريخ ان يكون مشروع الموازنة قد أنجز واحيل الى المجلس النيابي، الذي يحتاج الى شهر على الاقل لدراسته في اللجنة المالية قبل احالته على الهيئة العامة للمجلس».
واكّد بري على «الانجاز السريع للموازنة في مجلس الوزراء اليوم قبل الغد» وقال: «كنت قد ابلغت الجميع بأنني مع ان يعقد مجلس الوزراء جلسات سريعة ومتتالية لاقرار مشروع الموازنة واحالته الى مجلس النواب، والآن اؤكّد مجدداً على انّ لا شيء يمنع مجلس الوزراء من تناول هذا الامر، خصوصاً وانّ مواقف كل الاطراف صارت معلومة، وبالتالي ليس هناك من موجب لمزيد من التأخير».

نصرالله
الى ذلك، اكّد الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، في كلمة له بالعيد السنوي لجمعية «كشافة الإمام المهدي» امس: «أهمية تعاون جميع القوى السياسية في إيجاد الحل، بمعزل عن تصنيف من يتحمّل المسؤولية» وقال: «الحل ليس سهلاً ويحتاج إلى قرارات شجاعة وجدّية ومسؤولية»، لافتاً الى أنه «يجب أن نتحلّى جمعياً بروح المسؤولية، لأنّه إذا كل فريق أراد أن يعمل حساباته الخاصة لن نجد حلاً بل نبقى مكاننا، ونحن منفتحون على كل نقاش، ولكن لدينا ثوابتنا القديمة التي لا تدخل في أي مزايدات، وهي عدم المس بالفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود وعدم فرض أي ضرائب جديدة عليها».

الربيعة
إلى ذلك، أقام المستشار في الديوان الملكي السعودي المشرف العام على مركز الملك سلمان للاغاثة والأعمال الانسانية، الدكتور عبدالله بن عبد العزيز الربيعة، جولة شملت الرئيس سعد الحريري ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ورئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ العقل نعيم حسن، وختمها بلقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وأكد ربيعة بعد اللقاء مع الحريري: «أنه سوف يتم تنفيذ العديد من البرامج وتوقيع الاتفاقيات لدعم العمل الاغاثي والانساني في عدة مناطق للاجئين السوريين، وكذلك للشعب اللبناني الشقيق. هذا العمل هو بداية لبرامج متعددة قادمة إن شاء الله، ولاستمرار هذه العلاقة المتينة ليس فقط في المجال الانساني بل في كل المجالات».
وبعد اللقاء مع المفتي دريان، لفت إلى أنّ «الجميع متفائل بمستقبل لبنان، وهناك أولاً حرص من جميع الطوائف اللبنانية على بناء لبنان جديد، وأنا متأكّد انّ الدول الصديقة والمُحبّة للبنان، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، سوف تدعم عودته لبنائه وتطوره بإذن الله».
وختم لقاءاته بالتوجّه الى بكركي، حيث التقى البطريرك الراعي مؤكداً حرص المملكة العربية السعودية على أمن لبنان واستقراره وعروبته. وقال: «إنّ المملكة العربية السعودية حريصة دائماً على الأمن والاستقرار في العالم العربي والإسلامي، وإن شاء الله نرى لبنان بجميع طوائفه وفئاته مستقراً وزاهراً وشامخاً بعروبته».