انتفض ثلاثي «الإجراءات التقشفية» أمس، محاولاً ردّ تهمة المسّ برواتب موظفي القطاع العام، فإذا به يؤكدها. الرئيس سعد الحريري والوزيران جبران باسيل وعلي حسن خليل نزلوا شخصياً إلى الميدان. تحدثوا إلى الإعلام عن الدور السلبي للإعلام في إشاعة أجواء غير صحيحة عن الخطط الحكومية. لكنهم مع ذلك، دعوا الناس إلى تقبّل خططهم بذريعة أن البديل سيكون الانهيار. رغم ذلك، فإن ما تحقق في الأيام الماضية، سقوط محاولة تأمين توافق جميع مكونات مجلس الوزراء على خفض رواتب جميع العاملين في القطاع العام بنسبة تصل إلى 15 في المئة

شهد المجلس النيابي، أمس، الجرعة الأكبر من جرعات السعي الرسمي إلى تسويق الإجراءات التقشفية التي تُعدّها الحكومة. تولى رئيس الحكومة ووزيرا الخارجية والمالية ردّ التهم بالمسّ برواتب الموظفين، فإذا بهم يؤكدون أن ما يُنشر ليس سوى غيض من فيض الإجراءات القاسية التي تنتظر محدودي الدخل، وأولها تخفيض الرواتب ومعاشات التقاعد والتقديمات الاجتماعية. وعلى وقع الاعتصامات والإضرابات التي عمّت كل المناطق، استسهل المعنيون تحميل الإعلام مسؤولية القلق الذي يعمّ البلاد، طالبين منه أن يكون إلى جانبهم في إقناع الرأي العام بحتمية المشاركة بإنقاذ الاقتصاد، من دون أن تُقدِم الطبقة الحاكمة، من ناحيتها، على أيّ خطوة من شأنها أن تعدّل في النموذج الاقتصادي الذي أثبت فشله وأدى إلى حالة شبه الانهيار. لكن كثافة التصريحات التهويلية لم تخف ما كشفته مصادر سياسية لـ«الأخبار»، إذ أكّدت أن انكشاف جزء من النقاشات التي كان رئيس الحكومة وعدد من الوزراء يريدونها أن تبقى سرية، أدى إلى فشل مشروع تأمين التوافق على إجراءات التقشف و«قصّ أجور» العاملين في القطاع العام، قبل إحالة مشروع الموازنة على مجلس الوزراء.

وزير المال علي حسن خليل، كان قد صبّ جام غضبه على «الأخبار»، على أثر ما نشرته عن تقديمه اقتراحاً بحسم 15 في المئة من الرواتب. وهو اعتبر أن «من نقل محضر اللقاء الذي حصل عند رئيس الحكومة إما لم يكن حاضراً أو هناك نية لفتح نقاش مع الجهة السياسية التي ننتمي إليها، وموقفها واضح بهذا الشأن». مع ذلك، عاد وأكد أن ما نشرته «الأخبار» كناية عن «وجهة نظر تُناقش» في اللقاءات التي تضم ممثلي مكونات مجلس الوزراء في منزل الحريري، قبل أن يعفي نفسه من المسؤولية، ليؤكد أن خفض المعاشات ليس جزءاً من مشروع الموازنة المقدّمة من قبله.
وزير الخارجية جبران باسيل، رأى أن الإعلام تعامل مع كلامه، في جولته الجنوبية يوم الأحد، على طريقة لا إله، فاقتطع من تصريحه ما يتعلق بدعوته إلى تخفيض الرواتب في القطاع العام، وتغافل عن تطرقه إلى ضرورة أن تطاول الإجراءات الحكومية خمسة أمور أخرى، هي: حجم الدين الذي يشكل جزءاً يسيراً من الموضوع، وخدمة الدين، والتهرب الضريبي والجمركي والكهرباء والضرائب التي يمكن أن تستوفى من أصحاب الجيوب الكبيرة.
رئيس الحكومة سعد الحريري قال، بدوره، إن «كل ما يحكى عن تخفيضات هو كلام صحف»، قبل أن يقدم الحريري الجرعة الأكبر من محاولات التمهيد لمشروعه، إذ قال: «نحن مع المتقاعدين ومع الإدارة، ولكننا نريد الحفاظ على الليرة، وعلينا أن نكون صادقين معهم، إن البلد قد يتدهور». كذلك، حاول اللعب على وتر نظرة الناس إلى القطاع العام. وصمه مراراً بالفساد، نازعاً عن السياسيين هذه الصفة، بالرغم من أنهم وحدهم يتحملون مسؤولية إفساد ما فسد من القطاع العام. عندما تطرق الحريري إلى ضرورة تحمّل الجميع للمسؤولية للخروج من الأزمة، سأله النائب جميل السيد: لماذا لا تقول لنا من يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه قبل أن تطلب منا تحمّل مسؤولية ما سيأتي؟ تناست السلطة أنها هي التي عمدت إلى «رشوة» الموظفين بالسلسلة قبل الانتخابات، فيما تسعى بعدها إلى نزع بعض مكتسباتها. أمام أي اعتراض، كان الحريري يلجأ إلى سؤال النواب: «قولوا إذا كنتم لا تريدون سيدر، وهل تريدوننا أن نستدين بـ9 أو 10 بالمئة من أجل بناء مطار ومشاريع وبنى تحتية؟».


كرر الحريري في مجلس النواب أمس ما سعى إليه في الاجتماع الذي ترأسه في منزله ليل الأحد الفائت، وضم إليه ممثلي الكتل المشاركة في الحكومة (راجع «الأخبار» أمس). وصف الاقتطاع من حقوق الموظفين بالإصلاحات، واعتبر أن تقليص الجزء اليسير من أرباح المصارف، من دون المسّ بخدمة الدين، مساهمة بخفض العجز. ودعا إلى المقايضة بين الأمرين. قال تحديداً إن «المصارف عليها مسؤولية ومستعدة لأن تتحمل وتساهم بكل هذه الخطة، ولكن يجب أن نرى إصلاحاً حقيقياً»، مشيراً إلى أنه «في باريس 2 ذهب لبنان إلى فرنسا والمصارف وضعت 10 آلاف مليار في تصرف الدولة، ونحن لم نقم بأي إصلاح، لذلك يجب أن نكون صادقين مع المواطنين ومع العسكريين ومع إدارة البلد، فإذا بقينا على هذا النمط سنصل إلى كارثة. إذا أصابتنا المصيبة فمن سيُنقذنا؟».