جلسة «هادئة» عقدها مجلس الوزراء في السراي الحكومي أمس، وأقر خلالها معظم بنود جدول الأعمال. كما أُعلن أن الموازنة ستكون الخطوة الثانية بعد إقرار خطة الكهرباء. أما طلب وزير الاتصالات إلغاء الدقائق الستين المجانية لأصحاب الخطوط الثابتة في الهاتف الخلوي، فقد جوبه بالرفض، إذ دعا الوزراء إلى استبدالها بإجراءات تنظيمية للقطاع. وعلى سكة النفط والغاز، خطا لبنان أمس خطوة متأخرة لتفعيل التواصل مع قبرص، حيث أعلن من وزارة الخارجية عن مساع لبناء حلف غازي ونفطي معها مع إمكانية بناء أنبوب مشترك، فيما أعلن وزير الخارجية القبرصي أن بلاده لن تشارك في أي مشروع ينتهك حقوق لبنان.

لم ينجح وزير الاتصالات محمد شقير في إقناع مجلس الوزراء بجدوى طلبه إلغاء الدقائق الستين المجانية التي أقرت في العام 2014 للمشتركين في الخطوط الخلوية «الثابتة» (لاحقة الدفع Postpaid). حتى الرقم الذي قدّمه عن إمكانية أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة الإيرادت بنحو 25 مليون دولار، لم يكن مقنعاً لزملائه. فبعضهم أيّد ما كان ورد في رسالة شركة «ألفا» إلى الوزارة، وتشير فيها إلى أن هذه الخطوة ستؤدي إلى انتقال مشتركين إلى الخطوط المسبقة الدفع، ما يلغي الجدوى الاقتصادية لهذه الخطوة. والأهم أن الرقم المقدر للتوفير مبني على فرضية عدم تغيير المشتركين لعادات الاتصال، علماً أن دراسة «ألفا» التي اطلع عليها الوزراء، تشير بوضوح إلى أنه من أصل 268,560 مشتركا في الخطوط لاحقة الدفع، فإن 211 ألفاً سيغيرون عاداتهم، ويخفّضون استعمال الاتصالات الصوتية إلى معدل 28 دقيقة في الشهر، بما يعني أن مجموع العائدات سيرتفع 7.8 مليون دولار لشركة «ميك 1» («ألفا»)، وبشكل أقل لـ«ميك 2» (»أم تي سي تاتش»)، علماً بأن عدد مشتركي الخطوط الثابتة في تاتش هو 234,528 ألفاً، أي أن الإيرادات يمكن أن تنخفض إلى 14 مليون دولار. وحتى مع افتراض أن مبلغ الـ25 مليون دولار هو المبلغ الدقيق، فقد اعتبر الوزراء أنه يمكن توفيره عبر تنظيم القطاع. علماً أن وزارة الاتصالات طلبت، في البند 27، من كل الوزارات والإدارات، وكذلك أمن الدولة، تحويل فواتير الخطوط المستعملة من قبلها إلى موازنتها. وبدوره شدد وزير الخارجية جبران باسيل على ضرورة وضع خطة شاملة لوقف الهدر في قطاع الاتصالات والخلوي، مؤكداً أن «ثمة إجراءات وقرارات يمكن أن تؤمن وفراً كبيراً».

وفيما خلص الوزراء عملياً إلى رفض طلب وزير الاتصالات، فإن الاتفاق قضى بأن يعود شقير إلى مجلس الوزراء بدراسة جديدة لكيفية تعزيز الإيرادات وضبط الهدر في الهاتف الخلوي. ولهذا، لم يشر في المقررات الرسمية التي أعلنها وزير الاعلام جمال الجراح إلى رفض الطلب، بل أُعلن عن «إرجاء البند المتعلق بطلب وزارة الاتصالات إلغاء الـ 60 دقيقة المجانية لمزيد من الدرس».
لكن اللافت أن وزير الاتصالات، وقبل انعقاد مجلس الوزراء، كان سعى إلى حرف الموضوع عن وجهته، متخطياً واقع أن قطاع الاتصالات لا يمكن العودة به إلى الوراء، فأصدر بياناً أوضح فيه أن طلبه الغاء الـ60 دقيقة مجانية المعطاة للمشتركين للخطوط الخلوية اللاحقة الدفع (الثابتة)، إنما يطال الميسورين لا أصحاب الدخل المحدود أو متوسطي الدخل. وجاء في بيانه أنه «يوجد اليوم حوالي 4 ملايين و400 الف خط خلوي، منها 600 ألف خط ثابت معظمها لأشخاص ميسورين وأحوالهم جيدة»، مشيراً إلى أنه «من بين الـ600 الف يوجد فقط 3 في المئة أو 4 في المئة أصحاب دخل متوسط، فيما الغالبية الساحقة هم من الميسورين».
وقال: «نسأل من انتقد هذه الخطوة، هل الدعم يوجه لهذه الفئة أو لمن يحتاج فعلا الدعم من أصحاب الدخل المحدود والفقراء وطلاب المدارس والجامعات، والذين يستخدمون خطوطاً مسبقة الدفع وعددها حوالي 3 ملايين و800 ألف؟». واعتبر شقير أن خطوته هذه خطوة أولى تساهم في تحقيق وفر مالي من مكان ما، «كي أتمكن في مرحلة لاحقة من توفير الدعم لهذه الشريحة العريضة والتي هي أحق من غيرها بأي دعم ومهما كان حجمه».
بالعودة إلى جلسة مجلس الوزراء، التي وصفت بالهادئة، فقد أجّلت فيها المادة التاسعة، التي تطلب فيها وزارة شؤون التنمية الإدارية بإعادة التفويض لتأليف لجان عمل من الاختصاصيين. إذ اعتبر وزراء تكتل لبنان القوي أن هذا الطلب هو طلب غير مباشر للتوظيف العشوائي من قبل الوزيرة مي شدياق. وعند طرح البند، أبدى وزير الدفاع الياس بو صعب اعتراض التكتل على هذا البند، مطالباً بدراسة دقيقة وبآلية واضحة لتحديد الحاجات، خاصة أن البند المعروض لا يحدد عدد أو خبرة المطلوب توظيفهم او حتى المبلغ المالي المتوجب من موازنة الوزارة لهذا الغرض. أضاف: «إذا اقتنعنا، قد نوافق على الطلب». كذلك، شدد باسيل على معرفة الآلية التي ستتبع لهذا التوظيف، هل هو مجلس الخدمة المدنية أم لجنة وزارية وكم الكلفة وكم العدد؟ وبعد نقاش حول الموضوع واتهامات بالنكايات السياسية، تدخّل وزير العمل كميل أبو سليمان معلناً تفهم المطلب.


في مسألة الأضرار التي نتجت عن العواصف المتلاحقة، قدّم وزير الأشغال يوسف فنيانوس تقريراً بهذه الأضرار وكلفتها، التي قدّرت بـ25 مليار ليرة. وقد تريّث المجلس بإقرارها.
في مستهل الجلسة، لفت الرئيس الحريري إلى «الإيجابية التي أرخاها إقرار خطة الكهرباء على الأسواق المالية والنقدية، وعلى ثقة المستثمرين في مستقبل الاقتصاد اللبناني، بصفته الإشارة الأولى على جدية الحكومة في خفض العجز في الموازنة ومكافحة الهدر في المال العام، وتنفيذ ما التزمنا به في مؤتمر سيدر». وقال: «إن أفضل قرار اتخذناه في لبنان هو القيام بإجراءات معالجة العجز والتقشف في الموازنة، قبل أن تقع الأزمة، بينما اضطرت دول أخرى إلى اجراءات اصعب وأقسى وأكثر ألما، لأنها انتظرت وقوع الأزمة قبل البدء بالمعالجة. فكلمة السر هنا هي اتخاذ الإجراءات لتفادي الأزمة، والتمكن من إدارة الخطوات بطريقة تحمي الإقتصاد والمواطنين».
أما بشأن الموازنة، فقد أعلن وزير الاعلام أن الرئيس الحريري ووزير المالية يضعان اللمسات الاخيرة عليها، وهي وصلت الى الامانة العامة لمجلس الوزراء، متوقعاً أن تكون هناك جلسات قريبة لدرسها.

أنبوب نفطي بين قبرص ولبنان
في سياق آخر، استضافت وزارة الخارجية محادثات موسعة بين لبنان وقبرص، كان الملف النفطي موضوعها الأبرز، وشارك فيها عن الجانب اللبناني باسيل ووزيرة الطاقة ندى البستاني، وعن الجانب القبرصي وزيرا الخارجية القبرصي نيكوس كريستودوليديس والطاقة والتجارة والصناعة يورغوس لاكورتريبس. وركّزت المحادثات على موضوع النفط والاستثمارات اللبنانية في قبرص.
وقد أعلن في ختام المباحثات الاتفاق بين لبنان وقبرص للعمل على مرحلتين: تشمل الأولى توقيع اتفاق حول إيجاد أسواق لبيع الغاز المستخرج من البلدين، أما الثانية فتتضمن مشروعا لمد خط أنابيب للغاز بين البلدين».
وتوقع باسيل أن يُصار إلى توقيع اتفاقية التقاسم بين البلدين في موضوع النفط، على أن يتبع ذلك البدء بمباحثات للاتفاقات حول مواضيع الحدود والخطوط وكل المنشآت التي من الممكن ان تكون مشتركة، سواء للنقل او للتصنيع او للتوريد والتصدير لكل ما يتعلق بالغاز والنفط، وهذا كله ضمن سياسة الشرق المتوسط ونود متابعتها مع قبرص». كذلك أعلن «السعي إلى تعزيز تعاوننا وصولا الى حلفنا النفطي والغازي في هذا المجال».
بدوره، أعلن وزير الشؤون الخارجية القبرصي «أن الجانبين شددا على دعم الحقوق السيادية لكل منهما في استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية ضمن المناطق البحرية التابعة لكل منهما، وذلك بما يتطابق مع القانون الدولي، ولا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS»، مضيفا: «قبرص تحترم الحقوق السيادية لجميع دول المنطقة داخل مناطقها البحرية، بما في ذلك لبنان»، مؤكدا «أن قبرص لا ولن تشارك في أي مشروع قد ينتهك حقوق لبنان».
وردا على سؤال عما إذا كان قد تطرق الاجتماع إلى النزاع حول الحدود البحرية بين لبنان وقبرص وإسرائيل، أعلن كريستودوليديس أن بلاده «جاهزة للعب دور لتسهيل التوصل إلى حل لهذا النزاع».
ومن جهتها، أشارت البستاني إلى أنه «تم الإتفاق على التنسيق والتعاون في مشاريع البنى التحتية المرتبطة بنقل الغاز الطبيعي، سواء كانت على شكل أنابيب أو بواسطة منشآت لتسييل الغاز، والعمل على إبرام اتفاقية في هذا الشأن».