الرسالة الأبلغ في خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أمس كانت للولايات المتحدة الأميركية، وأعلن فيها أن «التاريخ والحاضر يشهدان أن الميدان ليس خالياً، وأن لغة الاستنكار ليست اللغة الوحيدة التي يعرفها محور المقاومة، بل كل الخيارات مفتوحة لمواجهة الإجراءات التي تهدد شعبنا وبلدنا ومقاومتنا». أما الرسالة الثانية، فلم تكن أقل وقعاً. للداخل اللبناني توجه، محذراً من السياسة التحريضية الأميركية، وداعياً إلى الاعتبار من الدمار الذي خلّفته سياسات بثّ الفتنة في المنطقة منذ عام 2011

اعتاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله استغلال خطاباته لتوجيه رسائل إلى العدو الإسرائيلي. غالبية تلك الرسائل تهدف إلى ردع العدو، وتثبيت معادلات تمنع إسرائيل من الاعتداء على لبنان أو شنّ حرب واسعة عليه. يوم أمس، كانت رسالة نصر الله موجهة إلى الولايات المتحدة، التي تمارس سياسة عدوانية في الإقليم، ضد محور المقاومة، كما في بقاع أخرى من العالم. من أقصى الشرق إلى أميركا اللاتينية، تسعى واشنطن إلى قلب أنظمة، وتفرض العقوبات على الشعوب بالجملة. ولا تعفي حلفاءها من ذلك. ففي أقل من 10 أيام، هدّدت الإدارة الأميركية كلاً من تركيا ومصر بعقوبات قاسية في حال تجرؤ أيٍّ منهما على شراء أسلحة روسية متطورة. لكن يبقى تركيزها الأول على محور المقاومة: الخروج من الاتفاق النووي مع إيران، الاستمرار في إدارة العدوان على اليمن، نقل السفارة إلى القدس، السعي إلى خنق الاقتصاد الإيراني والسوري، فرض عقوبات على بيئة المقاومة في لبنان، الإبقاء على وجود قواتها العسكرية في سوريا والعراق، ومنع دول المشرق من التعاون في ما بينها اقتصادياً، الاعتراف بـ«السيادة الإسرائيلية» على الجولان، وصولاً إلى إعلان الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، والتهديد بفرض عقوبات على حلفاء المقاومة في لبنان. المسار العدواني الأميركي تصاعدي. وفي قراءة محور المقاومة أن واشنطن ستلجأ إلى إجراءات عدوانية أقسى. وهنا، يضيق الفارق بين حرب عسكرية تدميرية، أو حرب اقتصادية قاتلة، أو «خنق» الاقتصاد تمهيداً لتدمير المجتمعات بحروب أهلية. أمام هذا الواقع، اضطر السيد حسن نصر الله أمس إلى رفع لهجة التحدي للأميركيين في أمرين: أولاً، إعلانه أن خيارات محور المقاومة لن تكون محصورة في استنكار الإجراءات المتخذة ضد أحد «أعضاء» هذا المحور، بل إن هذه الخيارات مفتوحة. ثانياً، تلميحه إلى أن السياسات الأميركية تجاه لبنان تهدف إلى تدميره عبر بث الفتنة فيه، ربطاً بإمكان معاقبة حلفاء المقاومة.

بوضوح، قال نصر الله، في «يوم جريح المقاومة»، ما حرفيته أن الاستنكار والتنديد بلوائح الإرهاب الأميركية «لا يعني أننا لا نملك أوراق قوة مهمة وأساسية». وأكد أنّ «من حقنا ومن واجبنا الأخلاقي أن نواجه كل أولئك الذين يمكن بإجراءاتهم أن يهددوا شعبنا أو بلدنا أو مقاومتنا، ولكن بطبيعة الحال يدنا مفتوحة وخياراتنا مفتوحة، لكن في الوقت المناسب عندما يكون هناك إجراء بحاجة إلى رد فعل سيكون هناك رد فعل مناسب». أضاف: «الميدان ليس خالياً، وهذا هو ماضينا وتاريخنا وحاضرنا وواقعنا ومقاومتنا وتضحياتنا كلها تؤيد هذا الموقف».
وقال نصر الله إن «أميركا ليست داعمة للإرهاب فقط، الإدارة الأميركية هي إرهابية، عقلها إرهابي، وممارستها إرهابية، ونحن نقف بوجه هذا الإرهابي الذي كان من أعظم تجلياته المجزرة في هيروشيما وصولاً إلى اليوم».
وذكّر بأن «أميركا تذلّ أمة بكاملها من أجل إسرائيل وتصنع الجماعات الإرهابية وتقدم لها كل التسهيلات، ثم تأتي وتصنّف المدافعين عن الأرض والمقدسات والأعراض بأنهم إرهابيون. وقال إن آخر تجليات الوقاحة الأميركية كان في وضع الحرس الثوري الإيراني على لائحة التنظيمات الإرهابية، معتبراً أن هذه الخطوة تعد سابقة، إذ لم يسبق أن صنفت مؤسسة عسكرية رسمية في دولة معترف بها بالعالم بأنها إرهابية.
ورأى نصر الله أن «ما يجري شيء طبيعي، ويجب أن ننظر إليه على أنه شيء طبيعي، اليوم أتوا في خطوة غير مسبوقة ليضعوا الحرس الثوري الإيراني في لائحة الإرهاب لأنه في موقع مركزي، وهو الأقوى والأهم والأشد تأثيراً، هذا يعبّر عن خيبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخيبة الأميركيين».

الفتنة الأميركية
داخلياً، اعتبر نصر الله أنه «بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التي لم تؤد إلى نتائج، السياسة الأميركية التحريضية مستمرة لبث الفتنة في لبنان، نحن لسنا في حالة تراجع، وصعودنا يثير قلق ترامب، ولا معطى جدياً عن فرض عقوبات على أصدقاء لنا، ويبدو أن هناك لبنانيين في واشنطن يعملون بهذا الاتجاه».
وأشار إلى أنه «يجب أن يعرف اللبنانيون أن مصلحتهم في التضامن وعدم الاستماع إلى التحريض الأميركي الذي دمر بلداناً حولنا، وأطلب من الشعب اللبناني عند سماع ترامب وبومبيو أن يستحضروا أمام أعينهم الدول التي دمرها التدخل الأميركي والإسرائيلي والتي حطمها التآمر الأميركي الإسرائيلي وبعض المال الخليجي».


وأشار إلى أن «اللبنانيين يجب أن يحسموا خياراتهم، وأضمّ صوتي إلى صوت رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي صدح في الدوحة أمام برلمانيي العالم ليقول الحق بصوت مرتفع ويدل الجميع على طريق الخلاص وهو الوحدة والمقاومة، وعندما نأتي إلى لبنان الطريق هو الوحدة والمقاومة إذا كنا نريده أن يبقى حراً مستقلاً ومزدهراً».

استحقاق الحدود
وعن الانتخابات الإسرائيلية، قال: «الآن بعد الانتخابات الإسرائيلية، على الأرجح بنيامين نتنياهو سيعود إلى تشكيل حكومة يمينية صهيونية، نحن أمام مرحلة جديدة في العلاقة بين ترامب ونتنياهو، وترامب يقدم الهدايا لنتنياهو، سنكون أمام استحقاق كبير يتعلق بحدودنا البرية والبحرية. القلق الذي أبداه بعض المسؤولين على مصير تلال شبعا هو قلق صحيح لكن المسألة ترتبط بإرادتنا الوطنية وليس بإرادة ترامب».

اليمن يحمي القدس
وفي ملف اليمن، قال نصر الله إنه عندما بدأت «عاصفة الحزم» كان هناك رهان على أنه إذا استطاع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو القيادة السعودية أن تحسم المعركة خلال أسابيع قليلة، «كان سيقدم هذا النصر بشكل مضلل وبشكل مضخم وسيقدم هذا الرجل كقائد للأمة العربية. وأوضح أن هزيمة السعودية على أيدي الجيش واللجان الشعبية في اليمن هو اليوم يحمي القدس وفلسطين وكل أرض عربية ما زالت تحت الاحتلال ويهبها ترامب للإسرائيليين والصهاينة، وأضيف اليوم أن هؤلاء المظلومين في اليمن هم في النتيجة أيضاً يقاتلون ويدافعون من أجل أن يبقى بعض الكرامة لحكومات وشعوب دول الخليج، بالإضافة إلى أن هؤلاء اليمنيين يدافعون عن أعراضهم وأرضهم».