كما في كل عام تعود علينا ذكرى الحرب الأهلية بما فيها من ويلات ومآسٍ، فقد نام اللبنانيون ليلة 12 نيسان 1975 على أحلام مستقبل سعيد، واستيقظوا يوم 13 نيسان على حربٍ دامية استمرت 15 عاماً، كلّفت لبنان خسائر بشرية وماديّة جسيمة، أسفرت عن 200 ألف شهيد و17 ألف مفقود. 13 نيسان هذا اليوم الذي تفوح منه رائحة الدماء والقتل، والذي وصلت فيه النزاعات الشيطانية ذروتها، وتجرّدت فيه بعض الفئات اللبنانية من كل ما هو إنساني. تفجّرت الحرب الأهلية اللبنانية أو إن صحّ التعبير حرب الآخرين على أرض لبنان، في منتصف السبعينات إثر اغتيال النائب معروف سعد عام 1975، أو ما عرف بأحداث صيدا، وعقب حادثة عين الرمانة، فكانت لحظة إطلاق الرصاص على الحافلة التي تنقل  مجموعة من الفلسطينيين المشاركين بإحدى فعاليات منظمة التحرير الفلسطينية، بمثابة لحظة إعلان مسلسل الموت الطويل، وتوشّحت بيروت بالسواد وتلبّدت سماءها بغيوم الغدر والحقد والكراهية.  إلا إن بذرة التراكم التي أنتجت هذه الحرب هو اتفاق القاهرة الذي سمح بالعمل المسلّح الفلسطيني في لبنان عام1969، وتشكّل على إثره حلف ماروني ثلاثي تكفّل بالتصدّي للفلسطينيين باعتبارأن ذلك يشكل خطراً كبيراً على لبنان في وضعه بمواجهة اسرائيل.  ولا بدّ أن نذكر بأن هذا الجرح العميق لم يزَل يئنّ في صدور اللبنانيين ، وذلك لأن الأحزاب المسيطرة على لبنان الآن هي نفسها الأحزاب التي كانت خناجر مريرة قطّعت أوصال الوطن وحولته إلى دويلات لم تزل تتناحر حتى يومنا هذا، ولبنان لن يدخل مرحلة السِّلم ولن يتخلّص من هذا الكابوس الأليم إلا إذا استطاع أن يخلق جيلاً سياسيّاً جديداً، فالزعماء الحاليون هم أنفسهم أمراء الحرب الأهلية وامتداداً لها، وهذه الأيادي السوداء المسؤولة عن لبنان هي نفسها الأيادي التي تلطّخت بدماء الشعب اللبناني وتاجرت بأرواحه.  فأيّ مستقبل هذا الذي يعدنا به هؤلاء، وقد خبرناهم طويلاً خلال خلال الحرب الأهلية وبعدها حتّى الآن، وأيّ مصداقيّة نتوقعها من هؤلاء المجرمين وقد شهدنا تآمرهم وتخلّيهم عن لبنان وشعبه، فلتكن هذه الحرب درساً أليماً لنا كي لا نكرّر مآسيها ونمتنع عن خوض التجربة المريرة لما لها من ويلات ما زالت ماثلة أمامنا وآثاراً لم نزَل نحصد مراراتها حتى الآن، والإقتناع بأن الطائفيّة  والمذهبيّة لم ولن تحلّ مشاكل لبنان، ففي ذكرى هذه الحرب لا يجدي البكاء والنحيب, فمسؤوليتنا الوطنية هي في إظهار وفضح كل الجرائم التي ارتكبت باسم الوطنية تارة وباسم الأديان تارة أخرى, ومسؤوليتنا تتزايد كل يوم بفعل الإنقسامات السياسية والمذهبية التي تشير إلى إمكانية إعادة التجربة المشؤومة, وخاصّة بأن زعماء هذه التجربة ما زالوا في مركز القرار .