تتناقض أولويات رئيس الحكومة سعد الحريري داخل التسوية مع أولويات رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه، وهذا ما ظهر في الخطاب الأخير للوزير جبران باسيل الذي اقترب فيه من مَس التضامن الحكومي، بدءاً من ملف النازحين الذي أعطى فيه الأولوية لعودتهم غير الآمنة، وهذا يتناقض مع التزامات الحريري تجاه المجتمعين العربي والدولي، اللذين يرفضان إكراه النازحين على العودة بشروط النظام، قبل إنجاز أي تسوية حقيقية في سوريا.
 

أوساط في تيار «المستقبل» رأت في كلام باسيل انتقالاً الى خط تماس مع الحريري خصوصاً في موضوع النازحين، ففيما كان الحريري في بروكسل كان باسيل يطلق النار على المؤتمر ونتائجه، وعلى مبدأ دعم لبنان لكي يعالج موضوع النازحين في غياب الحل الشامل.

ورأت الاوساط أنّ الحريري لا يمكن أن يجازف بوضع لبنان في مواجهة المجتمع العربي والدولي، خصوصاً أن لا وجود لأي قرار أو مظلة للاعتراف بالنظام السوري والتطبيع معه. وبالتالي، لا يمكن لبنان أن يتحمّل عبء هذا التطبيع، في حين جمّدت الدول العربية أي مبادرة للاعتراف بالنظام، في إنتظار تسوية انتقالية في سوريا.

وأضافت الاوساط «أنّ الكلام عن عودة اللاجئين بعد تحقيق شروط النظام هو مغالطة كبرى، فالنظام يرفض عودتهم وإلّا لكان تجاوب مع حلفائه من دون أي شروط وأوّلهم «حزب الله»، وتالياً التيار الذي يعرف انّ ما حصل في سوريا هو تطهير مذهبي، وأنّ العودة تتم بضمانات عربية ودولية، ولن يوافق النظام عليها لكثير من الاسباب.

واستبعدت الاوساط أن يؤثّر موقف باسيل على عمل الحكومة، على رغم من العناوين الخلافية التي تضمنها كلامه، فاستمرار العمل الحكومي هو ضرورة لجميع الأطراف التي ليس من مصلحتها بعد أسابيع على الولادة الحكومية أن تضع العصي في الدواليب، خصوصاً أنّ ذلك قد يُعطّل التحضير لمؤتمر «سيدر1» الذي يفترض أن يتم التمهيد له بإصلاحات جذرية.

من جهة ثانية، بَدا انّ «التيار الوطني الحر» شاء أن ينتفض على واقع الحال في محاولة منه لنَفي كل الاتهامات التي طاولته في السابق ولا تزال، بعد التسوية السياسية التي أبرمها مع تيار «المستقبل».

وتثني أوساط «التيار الوطني الحر» على خطاب باسيل الذي وضع النقاط على الحروف، بعد رهان التيار على الحكومة التي تشكلت وضَمّت خيرة الاشخاص، الّا أنه شاء رفع الصوت عالياً بعد البطء في عملها. ففي رأيه إنّ الملفات المطروحة كثيرة ومتشعبة، وبعضها على تماس مباشر مع احتياجات المواطنين، الأمر الذي يتطلّب عقد أكثر من جلسة لمجلس الوزراء في الاسبوع لمناقشتها وإقرارها.

ويولي «التيار» أهمية خاصة لمعالجة ملف النازحين السوريين في ظل الوضع الاقتصادي الكارثي، ويرفض المساومة فيه. من هنا جاءت صرخة باسيل في خطابه في «نيو بيال» أمس الاول. 

لكنّ مصادر «التيار» تطمئن الغيارى الى «ثبات العلاقة» مع الحريري، والى مستقبل الحكومة والتضامن الوزاري. إلّا أنها تلفت في الوقت نفسه الى انه لن يساوم في ملفات أساسية، وأبرزها ملف العودة، وملف الفساد الذي يحمل لواءه وسيواصل معركته فيه الى النهاية.

من جهتها، تستبعد مصادر سياسية مراقبة إنفراط عقد الحكومة، مؤكدة انّ الوضع الاقليمي الحرج يفرض بقاءَها، إضافة الى ان لا مصلحة لأحد في إحباطها. وتراهن على عودة النازحين رغم الانقسام السياسي في البلاد، ولو تطلّب ذلك وقتاً. وإذ تنقض مواقف باسيل الاخيرة هذا الأمر، تذكر بأنّ الحريري زار عون قبل سفره الى بروكسل، ويبدو انه تفاهم معه على موقفه.