استطلاع للرأي يؤكد أن «الليكود» سيشكل الحكومة على رغم تراجعه أمام «حزب الجنرالات»
 

حذّر رئيس ما يُعرف بـ«حزب الجنرالات» في إسرائيل، بيني غانتس، من أن تلجأ حكومة بنيامين نتنياهو إلى تصعيد أمني بشكل مخطط بهدف تحسين وضعه في المعركة الانتخابية المقبلة. وقال خلال جولة انتخابية في المنطقة الجنوبية، على مقربة من قطاع غزة، إن «إسرائيل قوية جداً وتستطيع توجيه ضربات موجعة جداً لحركة حماس والتنظيمات الشريكة لها، ولكن يجب أن تدار المعركة معها بحكمة ومسؤولية والأخذ بالاعتبار أن هناك مئات ألوف الجائعين في القطاع».

وكان نتنياهو قد سبق غانتس إلى المناطق الجنوبية المحاذية لقطاع غزة، أول من أمس الخميس، ووجه من هناك تهديدات إلى «حماس» بالرد على هجماتها العسكرية بـ«ضربات مضاعفة». وتبيّن أن الجيش لم يسمح لنتنياهو بالوصول إلى الحدود خوفاً من القناصة الفلسطينيين في الطرف الآخر. وفرضت الرقابة العسكرية التعتيم على هذه الزيارة، كي لا يستغل حزب «الليكود» الحاكم الصور مع الجنود في دعايته الانتخابية. لكن نتنياهو خرق أمر الرقابة ونشر الصور مع تسجيل صوتي له يتظاهر فيه وكأنه على خط المواجهة، بينما اقتصرت زيارته على دخول قاعدة عسكرية محصنة وعلى مقطع من الحدود مع مصر، لا يوجد فيه أي خطر مواجهة.

ورأى مراقبون أن نتنياهو يستغل منصبه وزير دفاع ورئيس حكومة ويلتقط مساعدوه الصور له وهو مع الجنود للدعاية الانتخابية حتى يثبت أنه «رجل الأمن الأول» وأن «الجنرالات هم لا شيء في القيادة السياسية الأمنية بالمقارنة معه». وقال المحلل العسكري، ألكس فيشمان، إن «استطلاعات الرأي تبيّن أن الجمهور عموماً والنواة الصلبة من مصوتي اليمين بشكل خاص، لا يتأثرون من نشر الاتهامات بالفساد ضد نتنياهو. وما زالوا يمنحونه أصواتهم بكميات جارفة ويحفظون له بذلك قوته الانتخابية القائمة (30 مقعداً من مجموع 120). ولذلك ينتقل نتنياهو إلى (معالجة) الشيء الجديد في هذه الانتخابات، ألا وهو حزب الجنرالات (تحالف أزرق أبيض) ويزايد عليهم في قضية الأمن ولا يستبعد أن يكون مبادراً إلى التصعيد الأمني حتى يثبت أنه هو وليس غانتس، العنوان لمحاربة أعداء إسرائيل».

وكان آخر استطلاعات الرأي، الذي نشرت نتائجه الليلة الفائتة، قد بيّن من جديد أنه رغم حصول تحالف «أزرق أبيض» على أكبر عدد من المقاعد، فإن الائتلاف المرتقب لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، سيحصل على 62 مقعداً (من مجموع 120) وسيكون هو القادر على تشكيل الحكومة القادمة أيضاً. وأشار الاستطلاع أيضاً إلى أن الجمهور بغالبيته ما زال يرى في نتنياهو المرشح الأنسب لرئاسة الحكومة (42 في المائة مقابل 38 في المائة). وقال 75 في المائة ممن استطلعت آراؤهم إنهم لم يتأثروا بقرار المستشار القضائي للحكومة، أبيحاي مندلبليت، تقديم نتنياهو للمحاكمة بتهمة الفساد.

وعلى أثر قرار نتنياهو تصعيد الخطاب الأمني والتهديدات، بدأ قادة الجيش والمخابرات يسربون تحفظاتهم إلى الشارع، ويحذّرون من أن التصعيد الأمني الحالي، الذي يهدد بالانفجار في أربعة مواقع في الساحة الفلسطينية، هي القدس والضفة الغربية والسجون وقطاع غزة، يأتي في إطار المنافسات الانتخابية. ويقول هؤلاء إن نتنياهو هو الذي يتسبب في هذا التصعيد، من خلال قرارات يتخذها هو ووزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، وعدد آخر من وزرائه، على خلفية الانتخابات العامة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي). وأكدوا أن نتنياهو يدير ظهره لقادة أجهزة الأمن الذين يحذرونه من أخطاء هذا التصعيد في الوقت الحاضر وتصادمه مع مصالح إسرائيل الاستراتيجية.

ويعرض هؤلاء المسؤولون سلسلة من الأمثلة التي تدل على تجاهل نتنياهو آراء الأجهزة الأمنية في سبيل حصد التأييد الشعبوي، ومنها: خصم أموال من الجباية الإسرائيلية للضرائب الفلسطينية بحجة أن هذه المبالغ تدفع لعائلات الشهداء والأسرى، وهو الأمر الذي ردت عليه السلطة الفلسطينية برفض كل أموال الضرائب وبالتالي هز موازنتها ومنعها من دفع نصف الرواتب، وقرار السماح للوزراء والنواب اليهود بدخول المسجد الأقصى وقرارات تعزيز الاستيطان ونصب أجهزة تشويش على الهواتف المحمولة في السجون. ويُضاف إلى كل ذلك قرار إدارة الرئيس دونالد ترمب في واشنطن بوقف المساعدات المالية الأميركية لـ«الأونروا» في غزة والضفة والأردن ولبنان، وإلغاء المساعدات للسلطة وأجهزتها الأمنية، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها وإغلاق القنصلية الأميركية في القدس.

ونقل محلل الشؤون الأمنية في صحيفة «معريب»، يوسي ميلمان، انطباعات من لقاءات مع مسؤولين في الاستخبارات العسكرية قالوا إن «احتمالات اشتعال الأوضاع مع قطاع غزة قائمة منذ فترة طويلة وإن احتمالات الاشتعال قد ارتفعت في الضفة الغربية مؤخرا، وذلك أولاً بسبب قرار الحكومة تقليص قرابة نصف مليار شيقل من تحويلات الأموال إلى السلطة الفلسطينية». وتابع ميلمان أن «هذه الخطوات كلها تمس وستمس بمستوى الحياة في غزة والضفة. وسيشعر موظفو السلطة ابتداء من الشهر الحالي بهذا المس في جيوبهم، عندما تنخفض رواتبهم بعشرات النسب المئوية. كما أن محفزات أجهزة الأمن، التي تواصل التعاون مع الشاباك والجيش الإسرائيلي وتعمل من أجل إحباط عمليات، قد تتراجع. وبأفعالها هذه تلحق حكومة إسرائيل ضرراً بمصلحتها، التي يكررها نتنياهو ووزراؤه مراراً وتكراراً. وبغياب الرغبة في دفع المفاوضات ومنح أفق سياسي للفلسطينيين، هم (الإسرائيليون) يتحدثون عن المصلحة في السماح لهم بالعيش حياة عادية برفاهية نسبية. وفي الوقت ذاته يفرحون لشق الشعب الفلسطيني إلى كيانين والحفاظ على الانقسام بين حماس في غزة والسلطة في الضفة. والدليل على ذلك هي المعايير المزدوجة. نتنياهو يسمح لقطر بتحويل 14 مليون دولار إلى غزة شهرياً، وقسم منها يذهب إلى حماس، التي ترى إسرائيل بها منظمة إرهابية، لكن بسبب اعتبارات انتخابية وخلافاً لتوصيات جهاز الأمن، يضع يده على نصف مليار شيقل (150 مليون دولار) تعود للسلطة الفلسطينية».