أحدث رئيس حزب اليهود الروس «يسرائيل بيتينو»، أفيغدور ليبرمان، انعطافاً حاداً في المعركة الانتخابية للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) حين أعلن أنه سيعمل على «فرض» حكومة وحدة وطنية في إسرائيل، تضمّ الحزبين الكبيرين: «الليكود» و«كاحول لافان»، وأنه لا يستبعد إمكانية التوصية باختيار شخص آخر غير بنيامين نتنياهو، لتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة.

وقال ليبرمان في منشور على صفحته في «فيسبوك» إن «مهمتنا في الحزب اليوم هي إجبار حزبي (الليكود) و(كاحول لافان)، على إقامة حكومة طوارئ وطنيّة ليبراليّة من دون ابتزاز الأحزاب الدينية والمتطرفة». وأضاف: «تحالف كهذا، سوف يتمتع بأغلبية واضحة وراسخة في الكنيست وسيفرض منح رئاسة الحكومة للحزب الذي يحقق أكبر عدد من النواب بين الحزبين الكبيرين، من دون المتدينين المتزمتين (الحريديين) ومن دون إيتمار بن غفير (تحالف أحزاب اليمين المتطرفة) ومن دون ميريتس (اليسار)».

وجاء تصريح ليبرمان هذا صادماً؛ إذ كان قبل 4 أيام فقط قد صرح بأنه لن يؤيد حكومة برئاسة رئيس قائمة «كاحول لافان»، بينتي غانتس، وأصر على التوصية بتكليف نتنياهو قبل أسبوعين، مما أدى إلى تفجّر مفاوضاته مع «الليكود» والدفع نحو إعادة الانتخابات، التي تمت مؤخراً في 9 أبريل (نيسان) الماضي، يوم 17 سبتمبر (أيلول) المقبل. وبدا واضحاً أن هذا التصريح يوّسع من الشقوق والتصدعات في معسكر اليمين الحاكم في إسرائيل، بل يعبّر عن زيادة نزع الثقة عن نتنياهو في وسط معسكره اليميني.

وينسجم هذا التصرف مع ما يتسرب من أنباء عن «زيادة الانفضاض من حول نتنياهو والشعور بأنه بات عبئاً على معسكره، ولم يعد الكنز الحلوب حتى داخل حزبه الليكود». وسارعت قائمة «كاحول لافان» إلى الردّ على تصريحات ليبرمان بالقول: «لو انتهى ليبرمان إلى هذه الخلاصة قبل أن يصوّت هو وحزبه لصالح حلّ الكنيست، لكانت انتخابات لا داعي لها قد مُنعت. ولكن ما من شك في أن ليبرمان نطق بالصحيح. فالأمر الصحيح والملحّ لإسرائيل في هذه الظروف هو فعلاً تشكيل حكومة وحدة تعمل لأجل الشعب الإسرائيليّ». لكنه أكد أن «حكومة كهذه لن تقوم بوجود نتنياهو، ولكي تقوم ينبغي عليه أن يترك الحلبة الحزبية ويتفرغ لمحاكمته بتهمة الفساد». وقال إن «حكومة كهذه يجب أن تقوم برئاسة غانتس وعضوية الليكود، بقيادة شخصية أخرى غير نتنياهو».

في المقابل، أصدر حزب الليكود بياناً غاضباً رد فيه على ليبرمان جاء فيه: «لقد ظهر ليبرمان على حقيقته. فهو يقول بشكل واضح إنه جاهز للذهاب مع (يائير) لابيد، و(بيني) غانتس لفرض إقامة حكومة يسار. من يُرِد حكومة يمين فعليه التصويت لليكود برئاسة نتنياهو فقط». وعدّ الخبراء السياسيون في تل أبيب هذا التحوّل في موقف ليبرمان بمثابة «عملية تصفية سياسية فورية لنتنياهو». والمعروف أن الخلاف الظاهر بين نتنياهو وليبرمان كان يدور حول القانون الذي طرحه ليبرمان على الكنيست السنة الماضية ويقضي بتجنيد الشبان اليهود المتدينين للخدمة الإجبارية في الجيش.

وبسبب إصرار ليبرمان على وضعه موضوعاً مركزياً، وإصرار نتنياهو بالمقابل على عدم إغضاب حلفائه المتدينين، انفجرت المفاوضات. وكان بإمكان ليبرمان إجبار نتنياهو على إعادة كتاب التكليف إلى رئيس الدولة، رؤوبين رفلين، لكنه التزم بالانتماء لليمين وساعد نتنياهو على حل الكنيست وإعادة الانتخابات. ولكن، منذ حلّ الكنيست، أظهرت استطلاعات الرأي أنّ ليبرمان ضاعف قوّته الانتخابيّة، وجذب مصوّتين من خارج قاعدته الانتخابيّة الروسية، عبر ضم علمانيين مناوئين للمتدينين اليهود. ومنحته الاستطلاعات ارتفاعاً في عدد المقاعد البرلمانية التي يمكن أن يحصل عليها بما بين 5 و9 نواب، مما جعله يعمّق توجهه العلماني أكثر فأكثر.

وإزاء هذه التطورات، بات الليكود في مأزق يشتد كل يوم، اضطرهم إلى التوقف عن الاستخفاف بليبرمان والتعاطي بجدية مع طروحاته. فإذا صمد ليبرمان في هذا الموقف حتى انتهاء المعركة الانتخابية فيمكن أن تشهد الساحة الحزبية في إسرائيل انقلاباً لصالح قوى الوسط.