لم يجتمع نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد ساترفيلد، مع رئيس الجمهورية ميشال عون. فبين الرجلين كيمياء مفقودة منذ 3 عقود، عندما كان الأول مستشاراً سياسياً في السفارة في بيروت والثاني رئيساً للحكومة العسكرية. وفي أيلول 2017، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، ألقى عون خطاباً تطرّق فيه إلى ملف النازحين، استثَار الأميركيين، فعمد الرئيس دونالد ترامب إلى تكليف ساترفيلد الاجتماع به، ويقال إنّ عون امتنع عن عقد هذا اللقاء.
 

في أي حال، يمكن القول إنّ اللقاء بين ساترفيلد ووزير الخارجية جبران باسيل في مقر الوزارة يشكّل «نسبياً» البديل من اللقاء مع رئيس الجمهورية، في انتظار مجيء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بعد أسبوعين، ولقائه مع عون، علماً أنّ رئيس الجمهورية سيغادر إلى موسكو نهاية الشهر الجاري، حيث سيعقد أول قمة بينه وبين الرئيس فلاديمير بوتين ويناقش مجموعة من القضايا الساخنة على ساحة لبنان والشرق الأوسط، والتي تعني روسيا، وأبرزها الوضع السوري وتداعياته على لبنان، وخصوصاً في ما يتعلق بملف النازحين.

لقد عبَّر ساترفيلد بوضوح، أمام باسيل، عن رفض الأميركيين المبادرة الروسية المتعلقة بالنازحين. وإذ أبدى ليونة نسبية تجاه الموقف اللبناني القائل بـ»العودة الطوعية»، فقد بقي الموقف الأميركي متمسّكاً بالعودة ضمن حلّ سياسي شامل، تكون من مقوماته إعادة الإعمار وتوفير العودة الآمنة للنازحين.

إذاً، سيتوجَّه عون إلى موسكو بعدما تبلَّغ «التحفظات» الأميركية، خصوصاً في ما يتعلق بعروض الدعم والتعاون الروسية في ملفات تسليح الجيش، إضافة إلى المبادرة الخاصة بالنازحين.

المطّلعون يقولون إنّ عون يرغب في تطوير العلاقات مع روسيا بما يتناسب ودورها المتنامي في الشرق الأوسط. وهو يدرك أنّ موسكو لا «تلعب» خارج ضوابط العلاقات مع واشنطن وسائر القوى الدولية الفاعلة. كما أنّ تدخُّلها العسكري المباشر والقوي في سوريا جاء نتيجة تفاهم واضح ومحدَّد مع إسرائيل.

لذلك، حتى اليوم، يلتقي أركان الحكم على توجّه إيجابي في اتجاه موسكو، وبلا تحفّظ: عون يرى في موسكو ضماناً للدور اللبناني والمسيحي خصوصاً، في اتجاه مشرقي. والرئيس سعد الحريري يرى أنّ موسكو تشكّل الصمام الواقي بينه وبين دمشق وطهران. وطبعاً الفريق الشيعي يرى موسكو حليفاً استراتيجياً قوياً لا يمكن الاستغناء عنه.

ولكن، سيؤدي الضغط الأميركي إلى «فرملة» نسبية للجميع. وفي الزيارة الرئاسية لموسكو يمكن أن يتفق عون وبوتين على التعاون في عدد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، لكنّ ذلك لن يؤثّر على ارتباط لبنان الاستراتيجي، تقليدياً، بالولايات المتحدة والغرب. والأمر يتعلق خصوصاً بتسليح الجيش والمسائل الأمنية.

وأمّا المبادرة الروسية في ملف النازحين فهي في وضعية «الفرملة» أساساً. ويبدو أنّ عدداً من القوى المعنية بالأزمة ليست في المناخ الملائم لتحقيق هذه العودة، ولا تتقاطع مصالحها في هذا الشأن، بما فيها نظام الرئيس بشّار الأسد نفسه. 

وهذا ما يدفع إلى التفكير: هل يرى الروس فعلاً أنّ الظروف ناضجة للإنطلاق في مبادرتهم؟ فإذا كانت غير ناضجة، يُصبح عليهم أن ينتظروا الحلّ السياسي والإعمار في سوريا، أي انهم يلتقون مع الولايات المتحدة والأوروبيين عندئذ.

وواضح أنّ حماسة موسكو للمبادرة تشهد برودة في الأشهر الأخيرة، بعدما كانت تتحرك بقوة في اتجاه إطلاقها. وظهر ذلك في تموز الفائت، بزيارة الوفد الديبلوماسي - العسكري الرفيع لبيروت، برئاسة موفد بوتين الخاص إلى سوريا الكسندر لافرونتييف.

وتتضمّن المبادرة الروسية برنامج عمل يشمل كل بلدان اللجوء. وفي شقها اللبناني تقضي بالآتي:

1 - تشكيل لجنتين لبنانية وروسية، ديبلوماسية - عسكرية، ويترأس اللجنة من الجانب الروسي السفير الكسندر زاسبيكين.

2 - يمنح النظام ضمانات بعدم التعرُّض للنازحين وتسهيل عودتهم إلى المناطق التي نزحوا منها.

3 - يتم فتح معابر تتمّ من خلالها عملية العودة وضبطها.

4 - يتم نقل النازحين إلى مناطق آمنة في سوريا، ريثما يعاد إعمار المناطق التي نزحوا منها. ويتمّ انطلاق الإعمار بدعم دولي وعربي شامل.

واضح أنّ المبادرة لا تتطرق إلى الحل السياسي في سوريا، وهنا نقطة الخلاف مع الغربيين والعرب حلفاء واشنطن. وقد أراد الحريري أن تكون اللجنة ذات طابع لوجستي عملاني وغير سياسي ليتجنّب الاتصال بدمشق، على أن تتولّى روسيا مهمّة الاتصال السياسي بدمشق. ووافَق عون وحلفاء طهران والأسد على الصيغة.

اليوم، تبدو المبادرة في وضعية صعبة. ولذلك، ستكون زيارة عون لموسكو حدثاً مُهماً في العلاقة بين البلدين، لكنّ حدودها تصطدم بالضوابط الأميركية التي لا يستطيع لبنان تجاوزها.