حكومة الوفاق الليبية تسعى للسيطرة على حقل الشرارة جنوب البلاد.
 

أخذت التطورات العسكرية الجارية في منطقة الجنوب الليبي بعدا إضافيا في الصراع الدائر في البلاد، الذي يشهد حراكا ميدانيا للسيطرة على الموارد النفطية، وبأهداف وأجندات إقليمية ودولية تتحرك وفق مصلحتها المُرتبطة أساسا باستمرار حالة الفوضى في الجنوب الليبي.

وتجددت، الأحد، الاشتباكات المُسلحة بين قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وأخرى موالية لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، قرب حقل الفيل النفطي الواقع في حوض مرزق أقصى الجنوب الليبي، حيث بثت كتيبة “طارق بن زياد” التابعة للجيش الليبي، مقاطع فيديو تُظهر شراسة تلك الاشتباكات في محيط هذا الحقل النفطي.

وأعلنت مصادر في حكومة الوفاق الليبية أن قواتها وصلت إلى حقل الشرارة النفطي الواقع أيضا في حوض مرزق، الذي سبق لقوات المشير حفتر أن أعلنت الأربعاء الماضي، سيطرتها عليه.

 

وقبل ذلك، أكدت مصادر ليبية مُتطابقة أن طائرة حربية من نوع “ميغ 23″ تابعة لسلاح الجو الليبي، اعترضت طائرة مدنية من نوع “سي.آر.جي” في مُحيط حقل الفيل، ووجهتها إلى قاعدة “تمنهنت” الواقعة على بعد نحو 30 كلم غرب سبها، والتي سبق للجيش الليبي أن أعلن سيطرته عليها في شهر مايو من العام 2017.

وأشارت إلى أن الطائرة المذكورة هي التي نقلت الفريق ركن علي كنه الذي عينه رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، قبل نحو أسبوع، مسؤولا عن المنطقة العسكرية بمدينة سبها، الأمر الذي رفضته القيادة العامة للجيش الليبي واعتبرته استفزازا خطيرا.

 

وربطت المصادر اعتراض هذه الطائرة مباشرة بعد إقلاعها من مهبط حقل الفيل النفطي، بقرار الجيش الليبي الذي منع فيه إقلاع أو هبوط أي طائرة في منطقة الجنوب إلا بإذن منه، بالنظر إلى العمليات العسكرية التي تشهدها هذه المنطقة منذ نحو الشهر.

 

وتُعيد هذه التطورات العسكرية صورة المشهد الليبي إلى تلك التي كانت سائدة خلال العمليات العسكرية للسيطرة على الحقول النفطية في منطقة الهلال النفطي والتي انتهت في مارس من العام 2017 بسيطرة قوات حفتر على ميناءي رأس لانوف والسدرة النفطيين.

 

وتعكس التطورات العسكرية وجها آخر من وجوه الصراع في ليبيا، الذي يُشكل النفط إحدى أبرز حلقاته، وهو ما يُفسر إلى حد ما سعي الفرقاء إلى محاولة السيطرة على الموارد والمنشآت النفطية في البلاد التي تبقى من أبرز العناصر القادرة على تغيير موازين القوى السياسية.

 

وقال المُحلل السياسي الليبي عبدالحكيم فنوش في اتصال هاتفي مع “العرب”، إن الصراع على النفط في ليبيا حقيقة لا جدال فيها، وما يجري حاليا في جنوب البلاد يعكس في جزء منه ذلك الصراع الذي له امتدادات في المواقف السياسية الداخلية الليبية، وكذلك في المقاربات الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة الليبية.

 

واعتبر فنوش أن التصعيد السياسي والعسكري الذي أقدمت عليه حكومة الوفاق برئاسة السراج، لا يخرج عن تلك المقاربات، نتيجة “فشل محاولاته لإعادة الأوضاع إلى المربع الأول، في وقت تغيرت فيه موازين القوى العسكرية، وتبدلت في ظل صراع قوى دولية على ثروات الجنوب الليبي”.

 

ولفت إلى أن هذا التصعيد بدأ منذ أن أعلنت حكومة الوفاق الوطني ترحيل الأزمة إلى مجلس الأمن الدولي لمواجهة ما أسمته بـ”تحركات الجيش الليبي” قرب حقلي الفيل والشرارة النفطيين في حوض مرزق.

 

وأعلنت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق الوطني الليبية، الأحد، أن وزير الخارجية محمد سيالة التقى، الجمعة، في مقر وزارة الدفاع الأميركية بواشنطن مع كاثرين ويلبارغر مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، وبحث معها تلك التحركات العسكرية في جنوب ليبيا، وسبل تعزيز القدرات الوطنية لتأمين الحدود.

 

وترافقت تلك التحركات السياسية مع مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بإعادة المنشآت النفطية في الجنوب الليبي إلى سيطرة حكومة الوفاق والمؤسسة الوطنية التابعة لها، وذلك في إشارة إلى الحقول النفطية في حوض مرزق.

 

ويُغطي حوض مرزق مساحة واسعة من الجنوب الغربي الليبي، ويشتمل على احتياطي نفطي هام يتجاوز حجمه أكثر من 5 مليارات برميل، حيث يقع فيه حقل الشرارة الذي وصل إنتاجه في سبتمبر 2011 إلى 400 ألف برميل يوميا، وحقل الفيل النفطي الذي وصلت ذروة إنتاجه إلى 125.7 ألف برميل يوميا في عام 2010.

 

وطالب فنوش القوى السياسية والقبلية الليبية برفض هذا التصعيد لأن “قوات الجيش الليبي تخوض معارك ضد متطرفين وأجانب، ولا تستهدف التفريط في ثروات البلاد، التي أصبحت محل أطماع إقليمية ودولية، تبدأ بالمصالح الغربية ولا تنتهي عند الأجندة القطرية التي تسعى إلى إغراق المنطقة الجنوبية في الفوضى”.