تسبب تصريح متلفز في اعتقال زعيم أحد أبرز الفصائل العراقية المسلحة التي قاتلت في سوريا سنوات عديدة، ما كشف عن تصدع واضح في بنية ميليشيا الحشد الشعبي الذي يضم مجموعات عراقية مسلحة موالية لإيران.

ومساء الخميس، داهمت قوة أمنية تابعة للحشد الشعبي، مقر “لواء أبوالفضل العباس″ في منطقة الكرادة ببغداد، وعبثت بمحتوياته، قبل أن تعتقل أوس الخفاجي، مؤسس هذه الميليشيا، وزعيمها.

وقاتل لواء الخفاجي، سنوات عدة، ضد خصوم نظام بشار الأسد في سوريا، لكن خلافات مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أجبرت قوات أبوالفضل العباس على الانسحاب والعودة إلى العراق.

وخلال الأعوام الأربعة الماضية، ارتبط الخفاجي بعلاقة وثيقة مع رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الذي سمح للواء بتعزيز صفوفه بالمقاتلين والسلاح، فيما اعتبر مراقبون أن العملية كانت تمثل مشروعا لبناء قوة توازن الحشد الشعبي، الذي طغى عليه الموالون لإيران.

وقال الحشد الشعبي إنه أغلق مقرا للخفاجي في الكرادة وسط بغداد، قبل أن يعتقله شخصيا. وبرر الحشد الشعبي إجراءه بأن الفصيل ينتحل صفة الحشد الشعبي، ويتحدث باسمه.

وعمليا، لم ينتم لواء الخفاجي إلى الحشد الشعبي رسميا، لكنه قاتل إلى جانب قواته في إطار الحرب على تنظيم داعش.

ولم تلق رواية الحشد الشعبي، بشأن سبب الاعتقال صدى يذكر في أوساط المتابعين، الذين ربطوا الحادثة بتصريحات أدلى بها الخفاجي قبل يوم واحد من اعتقاله، تشير إلى تورط عراقيين موالين لإيران في قتل الروائي علاء مشذوب الأسبوع الماضي.

وظهر الخفاجي في إحدى المحطات الفضائية، وقال إن مشذوب قريبه، وقد تعرض للتصفية “إكراما لإيران”.

وأضاف أن مشذوب قتل لأنه كان ينتقد النفوذ الإيراني في العراق، وهو ما يفسر الطريقة الوحشية التي جرت تصفيته بها، إذ أفرغ مسلحون ما يزيد على العشر رصاصات في رأسه وجسده.

وبالرغم من مرور أكثر من أسبوع على مقتل مشذوب، إلا أن التحقيقات لم تسفر عن شيء، بشأن كشف المتورطين في الجريمة، ما يزيد من الشكوك في وجود قوة نافذة وراء العملية.

ويعتقد زملاء مشذوب أنه من الصعب تحديد الجهة المتورطة في جريمة اغتياله، نظرا للسطوة الكبيرة التي تمتلكها المجموعات المسلحة على أجهزة الأمن والقضاء، على حد سواء.

وقال الخفاجي إن “هذا السلوك يدفع العراقيين إلى الاصطفاف بجانب القوات الأميركية”، في إشارة إلى الجدل المحتدم في الشارع العراقي بشأن تعزيز الولايات المتحدة قواتها العسكرية في العراق، والحملة المضادة التي يشنها حلفاء إيران.

ولم يطل الوقت كثيرا بالخفاجي بعد هذا التصريح، إذ سرعان ما شاعت أنباء اعتقاله، مخلفة صدمة في أوساط المتابعين.

ويقول مراقبون إن هذا التطور يعكس انقسام فصائل ما يعرف بـ”محور المقاومة”، إلى طرفين، يدور الأول في فلك إيران، فيما يرسل الثاني إشارات بشأن إمكانية اصطفافه إلى جانب الولايات المتحدة.

لكنه يعكس أيضا، بحسب شخصيات سياسية، مدى الهيمنة الإيرانية على القرار الأمني العراقي، والقدرة على استصدار مذكرات قبض قضائية في حال تعرضت مصالح طهران إلى الخطر.

وتطالب قبيلة الخفاجي بإطلاق سراحه، فيما استغرقت الحكومة العراقية في صمت معهود، عند وقوع مثل هذه التطورات

وأمهلت قبيلة الخفاجي الحكومة 24 ساعة لإطلاق سراح أوس الخفاجي، وقال أمير القبيلة عامر غني صكبان، للصحافيين “نحمّل الحكومة الاتحادية مسؤولية سلامة الشيخ الخفاجي، ونطالبها بإطلاق سراحه ومن اعتقل برفقته”.

 

وأضاف صكبان “سنعلن اعتصامنا وسنغلق الشوارع، إن لم يطلق سراحه، وستتلقى الحكومة الاتحادية منا ثورة أشبه بثورة العشرين”. لكن مراقبين يقولون إن الحكومة لا تملك أن تلعب أكثر من دور الوسيط في هذه الحالة.

ويتوقع هؤلاء أن يفرج عن الخفاجي قريبا، بعدما تحقق الهدف المنشود من اعتقاله، وهو إرهاب كل من يحاول توجيه انتقادات علنية لسلوك الموالين لإيران، والتدليل على أن الحكومة العراقية غير قادرة على منع الحشد الشعبي، من تحقيق رغباته بغض النظر عن مضامينها.

ويقول مراقب سياسي عراقي إنه من السابق لأوانه الحكم بتصدع جبهة الحشد الشعبي من خلال عملية اعتقال الخفاجي، وهو واحد من أبرز الداعين إلى المشاركة في الحرب السورية.

واعتبر المراقب في تصريح لـ”العرب” أن الأمر يتطلب انتظار التداعيات التي يمكن أن تنجم عن تلك العملية وبالأخص ما يتعلق بموقف التيار الصدري الذي يبدو أنه يخطط لاستعادة المسافة التي تفصله عن القوى الموالية لإيران من خلال تراجعه عن موقف المضاد للحضور العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.

ويرى المراقب أن اعتقال الخفاجي قد يمر من غير أن يترك أي تأثير سلبي على وضع الحشد الشعبي وسيطرته على الكثير من مفاصل الدولة، غير أن ذلك الاعتقال سيعتبر اعترافا من قبل قيادات الحشد بولائها المطلق لإيران ووقوفها ضد كل محاولة للنيل من سمعة طهران على المستوى الشعبي في ظل نفور شعبي واضح من الاستمرار في الخضوع للإملاءات الإيرانية.

وكما يبدو فإن ذلك النفور يأتي منسجما مع الأمل بأن تكون الولايات المتحدة جادة في تضييق الخناق على إيران واحتواء دورها في العراق.

ويخلص المراقب إلى التأكيد أن الخفاجي لن يكون آخر المنسحبين من الصورة، فقد يتبعه الكثيرون ممن قرروا أن الوقت قد حان لمغادرة المركب الإيراني الذي صاروا يعتقدون أنه غارق لا محالة.