جدلٌ كثيف رافق الولادة القيصرية الطويلة للحكومة، وتوتر ومواجهات مبكرة ميّزت ساعاتها الأولى.
 

في ظاهر الصورة ما يكفي من التناقضات المصحوبة بالوعود الممجوجة حول محاربة الفساد والفاسدين والمفسدين، ما يدفع بكثير من المراقبين الى السقوط في فخّ التفاؤل أو وهم تطبيق الشعارات.

وتكفي الاشارة الى تنطّح الجميع بلا استثناء في الحديث عن بناء الدولة والمؤسسات وضرب الفساد، ما يدفع الى طرح السؤال: مَن الفاسد إذاً طالما انكم جميعاً ضد الفساد؟ ولماذا لا يوجد فاسد واحد امام القضاء أو في السجون؟ وماذا عن مرتبة لبنان المتدنّية عالمياً والتي هي 138 بين دول العالم؟ ولماذا يزيد أبناءُ الطبقة السياسية ثراء من دون أن يجرؤ أحدٌ على مساءلتهم فيما يزداد الناس فقراً وجوعاً.

في زواريب الكواليس السياسية كثير من الهمس والكلام غير المباح والذي يناقض تعفّف التصريحات والمواقف المعلنة، والأهم كثير من التفسيرات للصورة الحكومية التي ما تزال ضبابية.

وفي الاشتباكات العنيفة التي دارت بعد دقائق من اعلان الحكومة بين الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والتي ادّت الى تراشق بين الأخير والوزير جبران باسيل مؤشر واضح الى الاصطفاف الحكومي الجديد والانتظام في محورَين: الاول يضمّ الحريري وباسيل، والثاني يجمع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وجنبلاط ولن يكون رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية بعيداً عنهما.

وبدأ هذا الاصطفاف يتظهّر في اشكال عدة. مثلاً، قبيل التقاط الصورة التذكارية للحكومة لاحظ الصحافيون وقوف وزراء «التيار الوطني الحر» الى جانب وزراء «المستقبل»، فيما وقف وزراء «الاشتراكي» و»القوات» في جانب آخر من الصالة الفسيحة في قصر بعبدا.

وخلال الإجتماعات المخصّصة لإعداد البيان الوزاري المتفق على خطوطه العريضة منذ أمد بعيد، كان التناغم واضحاً ما بين «المستقبل» و»التيار الوطني الحر» في مقابل حذَرٍ «قواتي» ألزم إدخالَ الوزير كميل ابو سليمان الى الجلسات للعب دور التدقيق في البنود التي ستكون لها علاقة بالتلزيمات.

ومثلاً اعترض ابو سليمان خلال البحث في البند المتعلق بالكهرباء على الالتزام بكهرباء 24 على 24 «لكي لا نلزم انفسنا مبكراً». والاهم اعتراضه على تحديد مهلة زمنية قصيرة لإنجاز المناقصات وهو ما يعني ضمناً فتح المهل الزمنية وبالتالي أبواب المشاركة أمام كل الشركات الراغبة وعدم حصرها بشركة جهّزت نفسها سلفاً.

الأجواء تؤشر في وضوح الى صدام ومواجهات لن تتأخر، لا بل ستبدأ باكراً، لكنّ السؤال هو حول تموضع الفريق الشيعي.

في الكواليس هناك مَن يتحدث عن اطمئنان الحريري الى خريطة الطريق الحكومية التي رسمها. ويعتقد هؤلاء أنّ سرّ هذا الاطمئنان قطبةٌ ما استطاع أن يحبكها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأن يشكّل منطقة تواصل آمنة بين بري وباسيل.

وفي معرض تأكيد هؤلاء أنّ اعتراض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومعه جبران باسيل، بقساوةعلى إعطاء حقيبة وزارة المال للوزير علي حسن خليل والذي رافق ولادة الحكومة السابقة لم يظهر منه شيئٌ هذه المرة، ولو أنّ المنطق يقول بحصول العكس.

كذلك فإنّ أيّ احتكاك مباشر وفعلي حول التشكيلة الحكومية بين بري وباسيل لم يحصل على عكس الصدامات التي حصلت بينهما العام الفائت وخلال التحضير للإنتخابات النيابية.

ويضيف هؤلاء أنّ «قطبة» تسمية جواد عدرا والتي ظهر لاحقاً أنها كانت خيارَ باسيل وفي الوقت نفسه تعاطي باسيل بازدراء مع اعضاء «اللقاء التشاوري» ما أدّى الى فرط التسوية يومها، يشجّع على الاعتقاد بوجود مَن يرتّب الامور في الكواليس.

لكنّ كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لا يؤشر الى وجود مهادنة شيعية. خلال مؤتمره الغاضب منذ نحو شهرين ونيف رمى نصرالله عبارة تحدّث فيها عن أنّ «الحزب» سيعمد الى التدقيق في ملفات التلزيمات بعد تشكيل الحكومة.

وفي الأمس استفاض في عرضه ما يؤشر الى أنه يحمل خطة كاملة متكاملة في هذا الإطار. فقد يكون تناهى الى مسامع «حزب الله» أنّ باسيل الذي استجاب لتلويح الحريري بالاعتذار جدّياً في حال عدم تأليف الحكومة أبرم معه تفاهمات كاملة وواسعة للعمل الحكومي.

وفي كلام السيد نصرالله حول عدم وجود تفاهمات مسبقة لـ»حزب الله» مع أحد أو أنّ أحداً أبلغ اليه وجود تفاهمات «غمز» و«لوم» كهذه وربما اكثر.

صحيح أنّ نصرالله تحدّث في المطلق عن أنّ التحالفَ شيء والمواقفَ حول الملفات التي ستُطرح شيء آخر، إلّا أنّ لرسائله عناوين واضحة. فهو دعا الى عدم «الزعل» وإدارة معارك وسائل التواصل الاجتماعي وتحريك «جيوش» الانترنت في حال الاختلاف في الملفات المطروحة حتى ولو حصل ذلك بين فريقين حليفين و«حبيبين».

واهم ما طرحه في هذا المجال ليس الملف في حدّ ذاته عندما يُطرح على الطاولة، بل القانون الذي يرعاه وطريقة وضع دفتر الشروط، أي عدم الغرق في الشكل، بل الذهاب الى المضمون والقوانين والشروط والبنود.

في المبدأ توافق «حزب الله» مع حركة «أمل» على التصويت معاً في أيّ ملف مطروح وبعد إنجاز التفاهم في ما بينهما من خلال قنوات التواصل المشترَكة.

كذلك تفاهم «حزب الله» مع باسيل على إيراد الملاحظات بداية بعيداً من الإعلام، أما في حال الإصرار على تلزيماتٍ لا تبدو «مقنعة» فليكن النقاش مفتوحاً ومعلناً داخل مجلس الوزراء وضمن الأصول، فإذا ذهبت القضايا الى التصويت فإنّ وزير «اللقاء التشاوري» وكذلك الوزير صالح الغريب سيكونان الى جانب «حزب الله». وربما سيكون هنالك وزير ثالث إذا دعت الحاجة.

السيد نصرالله الذي وجّه رسالة ايجابية الى الداخل والخارج حول وزير الصحة، يريد إبراز دوره المساعد في أوّل مشارَكة حكومية فعليّة له. قد يكون يريد التصدّي لحملة تشويه صورته والتي سوّقت لها عواصم غربية، وفرصته موجودة من خلال هذه الحكومة، ولو تقاطع مع «القوات اللبنانية» في بعض الملفات.