الجبهتان الشمالية والجنوبية ورقة مهمة في الانتخابات العامة الإسرائيلية.
 
حقق رئيس الأركان السابق بالجيش الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس الملقّب بـ“المرشح الصامت”، مفاجأة إيجابية لأنصاره في أول استطلاعات للرأي تنشر بعد خطابه الذي افتتح به حملته الانتخابية، والذي ركّز فيه على قدرته على التصدي للتحديات القادمة من الجبهتين الشمالية (سوريا ولبنان) والجنوبية (قطاع غزة) بالنظر لخلفيته العسكرية، مع إبداء نهج أكثر انفتاحا في ما يتعلق بالوضع الداخلي.
وعلى الرغم من إحراز غانتس قفزة نوعية في نوايا التصويت بيد أنّ رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي يحكم البلاد منذ نحو عشر سنوات، ما يزال في الموقع الأقوى لتشكيل ائتلاف حكومي يميني بعد انتخابات التاسع من أبريل القادم.
ويرى محللون أن غانتس ما يزال يتلمّس طريقه السياسي، إلا أنه قادر على إحداث المفاجأة، وهذا ما يثير قلقا كبيرا لدى حزب الليكود الذي شنّ حملة مبكّرة تستهدف هذا المنافس الخطير.
وانتقد الجنرال -في خطاب طال انتظاره ألقاه يوم الثلاثاء وكسر به الصمت الذي التزم به منذ دخوله سباق الانتخابات العامة- ما وصفها بزعامة منفصلة عن الشعب ولا يهمها سوى التشبث بالسلطة، في إشارة إلى نتنياهو أو“بيبي” كما يحلو للداخل الإسرائيلي تسميته.
وأظهرت أربعة استطلاعات للرأي نشر التلفزيون الإسرائيلي ومواقع إخبارية على الانترنت نتائجها ارتفاع نسبة التأييد لحزب غانتس الجديد “المناعة لإسرائيل” على حساب منافسيه من تيار يسار الوسط. لكن الحزب لا يزال في المرتبة الثانية خلف حزب الليكود اليميني بزعامة نتنياهو.
وأعطت استطلاعات الرأي حزب غانتس ما بين 19 و24 مقعدا في الكنيست الذي يضمّ 120 عضوا، وذلك بزيادة من نحو 12 إلى 15 في الاستطلاعات السابقة، وذلك مقابل ما بين 29 و31 لحزب الليكود وهو تقريبا نفس العدد الذي أوردته استطلاعات سابقة.
ويصف المعلقون السياسيون غانتس بأنه أول مرشح منذ سنوات يمكن للناخبين أن يعتبروه ندّا حقيقيا لنتنياهو في ما يتعلق بالخبرة الأمنية. ويتولى نتنياهو حاليا فترته الرابعة في منصب رئيس الوزراء.
وسلّط غانتس في خطابه الضوء على سجلّه العسكري وتحدث بشكل عام عن السياسات التي ينوي اتّباعها، متعهدا باتخاذ مواقف صارمة بشأن ما اعتبرها تهديدات إيران وحزب الله وحركة حماس.
ويُبدي رئيس الأركان الإسرائيلي السابق الحزم نفسه الذي يعتمده رئيس الحكومة المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو في ما يتعلّق بالمسائل الأمنية، لكنه قد يختلف عنه كونه بعيدا عن قضايا الفساد التي تطال رئيس الحكومة الحالي، والتي تشكّل نقطة ضعف الأخير الكبرى.
في خطاب قصير في مركز مؤتمرات في تل أبيب، أعلن غانتس أنه ينوي أن يصبح رئيسا لوزراء إسرائيل بدلا عن نتنياهو، كاشفا للرأي العام موقفه حيال القضايا الرئيسية.
ووعد غانتس بسياسة دبلوماسية وأمنية محافظة، متمسكا بموقف صارم إزاء إيران ووجودها العسكري في سوريا. وقال “في الشرق الأوسط القاسي والعنيف المحيط بنا ليس هناك من يرحم الضعفاء. وحده القويّ ينجو”.
وبالنسبة للقضية الفلسطينية، تعهد غانتس الاحتفاظ بمنطقة وادي الأردن (غور الأردن على الضفة الغربية من نهر الأردن) الاستراتيجية، إلى جانب القدس الشرقية المحتلّة.
وتابع الجنرال السابق إن حكومته “ستعمل من أجل السلام”، لكنه أضاف أنه “إذا اتضح أنه لا توجد طريقة للتوصل إلى السلام في هذا الوقت، فسنعمل على تشكيل واقع جديد”، مع زيادة الاستيطان. ويقدّم غانتس نفسه على أنه من تيار الوسط في محاولة لكسب أصوات اليسار، وأيضا بعض أصوات اليمين التي صوتت في السابق لنتنياهو.
وقال غانتس “فكرة أن يبقى رئيس الوزراء في منصبه في إسرائيل بعد أن توجّه ضده لائحة اتهام هو أمر سخيف بنظري”، تاركا الباب مواربا لإمكانية التحالف مع الليكود “طالما لم توجّه اتهامات إلى نتنياهو”.
وتعرّض خطاب غانتس لانتقادات شديدة من قبل أعضاء حزب الليكود ونتنياهو الذي كان أشاد به سابقا وبقيادته للجيش، ووصفً إياه بأنه جزء من “اليسار الضعيف”.
وقال أيضا إن “كلماته المعسولة” لا يمكن أن تخفي حقيقة أنه “من اليسار”، وإنه سيشكّل حكومة يسارية إذا استطاع ذلك. في غضون ذلك، تحوّل غانتس إلى هدف لحملة يقودها اليمين الأكثر تشددا في الطيف السياسي الإسرائيلي.
ووصف نفتالي بينيت من حزب “اليمين الجديد” الذي تمّ تأسيسه مؤخرا غانتس بـ“الرجل الطيب” لكن “الضعيف جدا” قائلاً إنه جزء من اليسار وسيعرّض إسرائيل للخطر إذا تسلّم حقيبة الدفاع.
وينظر إلى بينيت وغانتس كوزيري دفاع إذا لم يحققا فوزا انتخابيا واضطرا إلى التحالف مع نتنياهو. من جهتهما، التزم يائير لابيد رئيس حزب “يش عتيد” وآفي غاباي رئيس حزب العمل الصمت. وقد يخسران معظم ناخبيهم لصالح الجنرال.
وقال جدعون راهط أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية “إنه من السابق لأوانه تحديد ما سيحققه من نتائج في الانتخابات”. وأضاف “سيحصل غانتس على معظم الأصوات من حزب يائير لابيد وربما من المؤيدين لحزب العمل”.
واستدرك جدعوت راهط موضحا أن “الاختبار الرئيسي هو ما إذا كان غانتس سيحصل على أصوات من ناخبي ‘الليكود أو اليمين'”. واعتبر راهط أن هدف التحالف مع رئيس الأركان الأسبق موشي يعالون الذي أعلن انضمامه إلى غانتس هو جذب الناخبين اليمينيين الأقل تشددا.
وختم إن “الأمر كله يتعلق بانتقال نسب مئوية قليلة من أصوات اليمين، واليمين المتدين، إلى الأحزاب الوسطية. هذه هي القضية الرئيسية في النهاية”.