" كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 12).
 
خلق الله الإنسان للحياة الأبديّة، وكانت "شجرة الحياة" (سفر التكوين 2: 9) رمزًا لطعام الخلود الذي وضعه الله في جنة عدن ليأكل الإنسان فيحيا ... شرط الحصول على ثمرة الشجرة كان طاعة الوصية. الوصية كلمة حبّ من الله للإنسان، لذلك فهي تتطلَّب جوابًا بالحبّ للسلوك فيها إذ هي ليست فرضًا وقانونًا ...
 
الإنسان توّاق إلى المجد والعظمة لأنّه "صورة الله". لكن لا قيمة للصورة دون الأصل. من هنا، إذا انفصلت الصورة عن مصدرها فقدت حقيقتها وقوّتها ومعناها ... وهذه هي الخطيئة! ...
 
ليس للإنسان حياة من ذاته. هو طارئ على الوجود لأنّه مخلوق من العدم. الله وحده موجود، ونحن بمشيئته لنا كينونة. روح الرب هو الذي يحيي. كان هو أساس حياة الإنسان. بالخطيئة الأولى، خطيئة آدم الأول، خرج روح الرب من الإنسان فصار الإنسان يحيا برحمة الله التي لم تشأ له أن يزول، بل سار الله مع البشرية لكي يعيدها إليه بسكنى روحه فيها، وهذا تمَّ في المسيح آدم الجديد.
 
الموت الأول هو أن روح الرب ترك الإنسان. هذا ما يُسمَّى "الموت الروحي"، وأساسه تمحور الإنسان حول نفسه ورفضه للرب كمصدر وخالق له واعتباره ذاته كائنًا بدون الله. هذا الموت هو بالحقيقة موقف الإنسان الكيانيّ كمحارب لله، كونه سقط في خديعة الشيطان التي هي أنه يستطيع أن يكون إلهًا دون الله (راجع سفر التكوين 3: 1 – 6). موت الجسد أتى كنتيجة لموقف الإنسان الرافض لسكنى الله فيه.
 
* * *
 
البشر كلهم مائتون. يوجد موت يؤدّي إلى الحياة الأبدية وحياة تؤدّي إلى موت نهائيّ. سرّ الوجود يكمن في اكتشاف سرّ الموت. الصدمة المستمرة للبشريّة هي حقيقة أن موت الجسد حاصل مهما حاول الإنسان أن يهرب منه. البشر يرفضون تقبّل هذا الواقع الحاصل والعلمي أن الإنسان إلى زوال مهما عَظُمَ شأنه، إذ هو "تراب ورماد" (أنظر: سفر التكوين 18: 27 وسفر يشوع بن سيراخ 17: 31).
 
كيف يستطيع الزائل أن يحصل على الخلود؟ "إنَّ اللهَ خَلَقَ الإِنْسَانَ خَالِدًا، وَصَنَعَهُ عَلَى صُورَةِ ذَاتِهِ" (سفر الحكمة 2: 23). فقط من خلال الوحدة مع الله يحصل الإنسان على الخلود لأنّ الله وحده هو "الكائن" (راجع سفر الخروج 3).
 
* * *
 
الموت الروحي والجسدي دخلا حياة الإنسان بسبب رفضه كلمة الله طريقًا يقوده فيه الخالق إلى تحقيق وجوده بثباته في الله عبر طاعة الوصيّة. الموت الروحي هو الأخطر لأنّه يؤدّي إلى أبديّةِ ألم كيانيّ محرِق لا يطفئه شيء لأنّه إذا ثبت الإنسان فيه كان في الرفض الكلّيّ لله كمصدر لحياته وغاية لها وبالتالي يخسر الإنسان معنى وجوده ويصير حضور الله الدائم سببًا للوجع الدائم عنده كون الرب حاضر في كلّ مكان، "إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ ..." (مزمور 139: 8 - 10).
 
من مات عن ذاته صار الله حياته، ومن عاش في ذاته أخرج الله من كيانه. الإنسان حرّ، لهذا هو يختار مصيره في مسيره في هذا العالم. أتريد أن تحيا حقًّا؟! مُتْ عن سقوطك لتدخل سرّ الحياة بسرّ الموت. من مات عن العالم في العالم يدخل سرّ الحياة حين يخرج من العالم، ومن أمات نفسه في عبوديّة العالم صارت حياته موته الأبديّ منذ هذا العالم قبل أن يغادره وإلى الأبد ...
 
مع الله يصير الموت حياتًا وبدون الله تصير الحياة موتًا! ...