إنه «الثلث المسيحي الضامن» الذي يمنع ولادة الحكومة، وما وراء هذا الثلث تختبئ أسبابٌ تتقاطع بين الداخل والخارج. بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» تبادلٌ للعبة القط والفأر في تحميل المسؤوليات. «التيار» لم يجاهر بطلب الثلث الواضح إلّا بموقف واضح للوزير جبران باسيل أطلقه من لندن و»الحزب» لم يجاهر برفض إعطاء «التيار» هذا الثلث، والطرفان يناوران من دون أن يواجها بعضهما إلّا بالمواقف التي تحمل تفسيرات متعددة كالموقف الذي أطلقه الرئيس ميشال عون في بكركي عن الأعراف والتقاليد المحدثة.
 

ترى أوساط مطلعة في «التيار الوطني» ان له الحق في تأمين الشراكة في التمثيل والتوازن في تشكيل الحكومة، وطالما أنّ جميع الاطراف أمّنت لنفسها هذا الحق، فلماذا يُمنع إذاً على التيار أن يحصل على «الثلث المسيحي الضامن» أسوة بالمكوّنات الاخرى.

وتشير هذه الاوساط الى جملة معطيات ينطلق منها «التيار» للتمسك بحقه في التوازن داخل الحكومة الجديدة وأبرزها:

ـ اولاً: إنّ كلاً من رئيسي المجلس والحكومة يستعملان صلاحياتهما الدستورية كاملة، فالرئيس سعد الحريري هو الذي يشكل الحكومة وقد أمّن مع حليفه حزب «القوات اللبنانية» الثلث الضامن، فيما الرئيس نبيه بري هو ايضاً مع المكوّن الشيعي حاصل على الثلث الضامن السياسي والقانوني، فوزير المال الذي بات عرفاً للثنائي الشيعي يمتلك التوقيع الرابع، أي يمتلك حقّ «الفيتو» الذي يستعمله دائماً، فيما يستهدف عون لأنه لم يوقّع مراسيم تخلّ بالشراكة في التعيينات، ومَن يمتنعون عن التوقيع يعيبون على عون الامتناع عن إمرار ما يخلّ بالشراكة.

ـ ثانياً: إنّ الثلث الضامن هو حقّ في صلب الشراكة، بين المكوّنات اللبنانية، خصوصاً في ما يتعلق بالقرارات الكبرى والتعيينات الخاصة في الفئة الاولى، وانعقاد الحكومة، واستقالتها، وإذا كان الثنائي الشيعي يمتلك الضمان، وإذا كان الحريري يمتلكه ايضاً بصفته رئيساً لمجلس الوزراء فمن حق المكوّن المسيحي صاحب الكتلة النيابية الأكبر أن يمتلك هذا الضمان، وأن يكون شريكاً حقيقياً في السلطة التنفيذية.

ـ ثالثاً: مَن يحاولون الضغط على عون بتعطيل تشكيل الحكومة لا يعرفون أنّ هدفه من التشكيل هو تحقيق التوازن واستعادة حقّ المسيحيين في المشارَكة الفعلية في السلطة، وليس هدفه مجرد تشكيل حكومة كيفما كان، وإذا لم يكن تشكيل الحكومة بتوازن مدخلاً الى تحقيق هذا الهدف فهو قادر على الانتظار حتى تحقيقه. وتشير الاوساط الى أنّ عون وباسيل هما شخص واحد إذا ما تعلّق الأمر بتحقيق هذا الهدف، وكل مَن يحاول تصوير باسيل على أنه يخالف ارادة عون واهم لأنهما متفقان على الخطوط العريضة، فعون يصرّ على أن يكون الوزير السني من حصته، وهو أطلق ما يكفي من مواقف للتعبير عن الاستياء من ظهور عقدة نواب «اللقاء التشاوري» في اللحظة الاخيرة قبل ولادة الحكومة، علماً أنّ «حزب الله» لم يفاتحه بها مسبَقاً بل عرف بها عبر وسائل الإعلام وهو ما يرفضه رفضاً قاطعاً.

ـ رابعاً: تؤكّد أوساط «التيار الوطني» الانفتاح على أيّ حلّ ولكن من ضمن مسلمة أن يكون الوزير السني من حصة عون ولا مانع أن ينسّق مع نواب «اللقاء التشاوري». وتشير الى أنّ الامر لا يُفترض أن يؤدّي الى خلاف أو تعطيل، خصوصاً في العلاقة مع «حزب الله» التي تقوم على مبدأ التفاهم على ثوابت مواجهة العدوّ والإرهاب، لكنها ليست ضوءاً أخضر للتعامل مع الحزب كمرجعية سياسية في الداخل اللبناني، فاللقاء على الثوابت ثابت لكنّ التمايز في قضايا أُخرى مطروح كلما اختلفت وجهات النظر.