مخاوف من ذهاب قانون العفو العام أدراج رياح الخلافات السياسية
 

عادت قضية الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية إلى الواجهة، خصوصاً بعد نقلهم من المبنى «ب» في سجن رومية المركزي، إلى مبنى جديد يحمل اسم «مبنى الخصوصية الأمنية»، وهو ما يضعه الموقوفون وذووهم ومحامو الدفاع عنهم، في دائرة الاستهداف والتضييق عليهم، معتبرين أنهم «يتعرّضون لشتّى أنواع الانتهاكات وعمليات الإذلال المتعمّدة»، وفق تعبير أحد وكلاء الدفاع عنهم. في وقت أفادت وزارة الداخلية، بأن هذا المبنى «يكتسب مواصفات السجون الحديثة المعتمدة في كلّ دول العالم، وليس مخصصاً لسجناء من فئة أو طائفة معيّنة».

ويتّهم أهالي السجناء ومحاموهم، القائمين على إدارة السجن بـ«انتهاك حقوقهم بصفتهم سجناء، والقيام بممارسات تضرب مبدأ حقوق الإنسان، بما يتعارض مع كلّ المعايير القانونية والأخلاقية». لكنّ مصدراً قضائياً عزا حالة الاعتراض هذه إلى «رفض المساجين الخضوع لنظام السجن والمراقبة المشددة». وأشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «هؤلاء السجناء كان لديهم هامش أوسع من حرية التحرّك والتواصل مع الخارج عندما كانوا في المبنى السابق (ب)، لكنهم فقدوا جزءاً كبيراً من هذه الحرية، ولذلك باتوا ناقمين على إجراءات ستطبّق بالتأكيد على جميع نزلاء السجن، وإن بمراحل لاحقة».

من جهته، أوضح مستشار وزير الداخلية لشؤون السجون العميد منير شعبان، أن «مبنى الخصوصية الأمنية موجود في كلّ دول العالم، وهو معدّ للسجناء والموقوفين الذين لديهم خصوصية أمنية، أي لمرتكبي الجرائم الجنائية الكبرى، مثل الإرهاب وأعمال العصابات الخطيرة». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذا المبنى «أقرّت الحكومة إنشاءه منذ معارك مخيم نهر البارد (التي وقعت بين الجيش اللبناني وتنظيم (فتح الإسلام) بشمال لبنان في عام 2007)، وجرى افتتاحه قبل أسابيع قليلة». وقال العميد شعبان: «كلّ ما في الأمر أن المبنى الجديد مراقب بتقنيات حديثة ومتطورة، مثل كاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار، ويطبّق فيه قانون السجون بدقّة وشفافية».

هذه التبريرات يرفضها بالمطلق المحامي محمد صبلوح، وكيل الدفاع عن عدد كبير من الموقوفين الإسلاميين، الذي سلّط الضوء على ما سمّاها «الانتهاكات الخطيرة التي يتعرّض لها السجناء الإسلاميون». وعبّر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أسفه على أن «هذا المبنى الذي يتغنّى المسؤولون بتطوّره وحداثته، يشهد تجاوزات غير مسبوقة بحق نزلائه».

وعلى الرغم من اعتراف الدولة اللبنانية، بأن جميع سجونها لا تتطابق مع الأنظمة المعتمدة في الدول التي تطبّق معايير حقوق الإنسان، رفض العميد شعبان كلّ هذه الاتهامات، لكنه أعلن أن المبنى الجديد «يستوعب نحو 250 سجيناً، وقد تم نقل نحو 125 سجيناً إليه، وهو ليس للتأديب والعقاب وليس لسجناء من فئة أو طائفة معينة، بل سيضمّ سجناء من كلّ الأطياف». وأضاف: «إدارة السجون باشرت عمليات النقل إلى مبنى (الخصوصية الأمنية) ابتداء من المبنى (ب) الذي يوجد فيها الموقوفون الإسلاميون، وسيستكمل نقل باقي السجناء الخطرين، وهم من كلّ الأطياف والفئات»، لافتاً إلى أن «عمليات النقل تحصل بناء على دراسة الملفات»، معترفاً بأن هذا المبنى «يحرم نزلاءه بعضاً من حرية التحرّك التي كانت لديهم في المبنى (ب)، وهؤلاء باتوا منزعجين لأنه لا يوجد في المبنى الجديد هاتف نقال مخبأ تحت البلاط، أو آلة حادة فوق البلاطة، وقانون السجون يطبق هنا بحذافيره».

وتحدث عن «انتفاضة حصلت في مبنى المحكومين حيث يوجد أخطر عصابات المخدرات، إذ تمكن السجناء من أسر ثلاثة ضباط وتهديد حياتهم، ولم ينقل أي من هؤلاء إلى مبنى الخصوصية الأمنية»، سائلا: «ألا يستحق (الوزير الأسبق والمستشار السياسي لرئيس النظام السوري بشّار الأسد) ميشال سماحة، الذي أدخل 25 متفجرة من سوريا وحاول تفجيرهما في لبنان، وضعه في مبنى الخصوصية الأمنية؟ ولماذا لم ينقل أي من الموقوفين الذين فجّروا مسجدي السلام والتقوى (في طرابلس - شمال لبنان عام 2012) إلى هذا المبنى؟».

ويسود الخوف من ذهاب مشروع قانون العفو العام أدراج رياح الخلافات السياسية، ويتجه أهالي الموقوفين إلى التحّرك مجدداً في عدد من المناطق اللبنانية، وأكد أحد أعضاء لجنة أهالي الموقوفين الإسلاميين لـ«الشرق الأوسط»، أن اللجنة «ستلتقي الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، للبحث معه في الانتهاكات التي يتعرّض لها أبناؤهم، والبحث معه في موضوع قانون العفو مجدداً، وفي ضوء اللقاء تحدد خطوات التحرّك».

وكشفت مصادر مقرّبة من الحريري لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الأخير «لا يزال ملتزماً بالوعود التي أطلقها قبل الانتخابات بما يخصّ قانون العفو العام». وشددت على أن «هذا القانون سيكون أولوية الحكومة الجديدة فور تشكيلها»، لافتاً إلى أن «مشروع القانون الذي أعد منذ أشهر، يخضع من حين لآخر إلى التنقيح، والرئيس الحريري سيعمل على تأمين توافق سياسي حوله، ويأخذ بعين الاعتبار الخصوصية السياسية والطائفية والمذهبية لهذا الموضوع».