أشارت الصحافية فيفيان عقيقي اليوم في مقال لها في جريدة "الأخبار" الى ان "تلوّث نهر الليطاني وبحيرة القرعون يعدمان أي إمكانية لاستعمال المياه الموجودة فيهما، لا للريّ ولا للشرب"، لافتة الى أن هذه الخلاصة تعرضها دراسة أعدّها عضو اللجنة العلمية في المجلس الوطني للبحوث العلمية كمال سليم، وتبيّن وجود 4 مصادر للتلوّث، هي "النفايات المنزلية والمخلفات الطبية التي تُرمى في النهر أو تحرق فتتسرّب عصارتها إلى المياه الجوفية، ومياه الصرف الصحي المتدفّقة إلى النهر، وكانت تقدّر بنحو 45.4 مليون متر مكعب عام 2010، ومن المتوقّع أن ترتفع إلى 62.9 مليون م3 في 2030، فضلاً عن المنشآت الصناعية التي يقدّر عددها بنحو 723 مؤسسة تطرح نفاياتها التي تتضمّن مبيدات ومخلفات معدنية في حوض النهر، بالإضافة إلى المبيدات الكيماوية الزراعية غير القابلة للتحلّل وتصل إلى مجاري الأنهر، مصحوبة بانجراف التربة والفائض من مياه الريّ".
 
ونقل المقال عن الدراسة معلومات عن وجود ثلاثة أنواع من الجراثيم البكتيرية الخطيرة من نوع Cyanobacteria في بحيرة القرعون "ظهرت للمرة الأولى عام 2007، علماً أنها من أولى الكائنات الحيّة على الأرض ولديها القدرة على مقاومة كلّ درجات الحرارة وانخفاض الأوكسيجين والصمود، وتتغذّى من النترات والفوسفات وتفرز سموماً وتقضي على كلّ أشكال الحياة. وتبيّن تجارب عالمية أجريت عليها صعوبة التخلّص منها. وهو ما أدى إلى انعدام وجود الطحالب في القرعون بعدما كان يوجد نحو 160 نوعاً منها، كذلك تراجعت أنواع الأسماك من 110 أنواع إلى نوع واحد. فيما تراكمت الرسوبيات في قعر البحيرة، وهي عبارة عن أحياء ميتة وانجرافات تربة ووصلت إلى 12 متراً".
 
المقال تحدّث عن مشروع القناة 800 لجرّ المياه من الليطاني إلى الجنوب مع قرب انتهاء المرحلة الأولى منه، وجاء فيه:
عام 2023 هو الموعد المُفترض لإنهاء "مشروع الليطاني - القناة 800" لنقل مياه بحيرة القرعون إلى جنوب لبنان. وهو يأتي بعد 75 عاماً على وضع الدراسة المبدئية الأولى حول نهر الليطاني التي أعدّها إبراهيم عبد العال عام 1948، وبعد 50 عاماً على وضع الدراسة الاولى للمشروع عام 1973، ونحو 11 عاماً من انطلاق الأشغال التنفيذية عام 2012. المعضلة الحقيقية التي ينطوي عليها المشروع لا تنحصر بأنه قد يصبح صالحاً للتشغيل بعد 7 عقود من الانتظار، بل بتحوّل أهدافه المرتقبة مصدراً للخطر. إذ بدلاً من توفير المياه لمليون فقير في محافظتي الجنوب والنبطية، انسجاماً مع الشعار الذي رافقه، تحوم المخاوف من أن يصبح سبباً في وفاتهم والتسبّب لهم بأمراض نتيجة تلوّث الليطاني وتحوّله مكباً للنفايات ومصبّاً للصرف الصحي والسوائل الصناعية وحاضنة للجراثيم الخطيرة.
وتتابع عقيقي في المقال أن "هذه الإشكالية طرحها مؤتمر مشروع الليطاني - منسوب الـ 800 متر: التحديات وسبل الاستفادة، الذي نظّمه المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق بالتعاون مع اتحادي بلديات بنت جبيل وجبل عامل، يومي 27 و28 الجاري، نوقشت فيه سبل تكييف المراحل الباقية من المشروع مع التحوّلات التي أصابت نهر الليطاني نفسه وتراجع كمّيات المياه فيه، وتغيّر استخدامات الأراضي المستفيدة منه وتراجع المساحات المزروعة على حساب التمدّد العمراني العشوائي، فضلاً عن التبدّلات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية للمستفيدين منه، بما يؤدي إلى طرح سبل وآليات لرفع مستوى الاستفادة من المشروع".
 
وتشرح عقيقي ان مشروع "الليطاني القناة 800" يعود الى سبعينيات القرن الماضي، وهو يهدف إلى نقل المياه بواسطة الجاذبية من بحيرة القرعون إلى الجنوب اللبناني. إلّا أن تنفيذه الذي تأخر نتيجة الاحتلال الاسرائيلي وعدم توافر التأمين، بدأ عام 2012 بعد تأمين قرض من الصندوق الكويتي للتنمية. وهو يقسم إلى مرحلتين: الأولى التي بدأت مجموعة الخرافي تنفيذها، بإنشاء القناة بأجزائها المختلفة، بكلفة 330 مليون دولار، قبل أن ترتفع إلى 450 مليوناً مع بدء العمل به. أمّا المرحلة الثانية المقدّرة كلفتها بـ 350 مليون دولار، فتقضي بتجهيز شبكات الريّ والشفة لنقل المياه من الخزّانات إلى الأراضي الزراعية والقرى.
وتتابع أن المشروع يمتد من منطقة مشغرة في البقاع الغربي، وصولاً إلى بلدة يارين في الجنوب، ويقع الجزء الأكبر منه في محافظة النبطية، وتحديداً ضمن أقضية مرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل. وفقاً للدراسة التي اعدّتها دار الهندسة عام 2001، من المفترض أن يخصّص المشروع لإفادة نحو 105 قرى عبر إيصال 110 ملايين متر مكعب إليها (نصف سعة بحيرة القرعون)، منها 90 مليون متر مكعب لريّ نحو 13.300 هكتار من المساحات الزراعية، و20 مليون متر مكعب لمياه الشفة.
 
ومن المفترض أن يؤدّي المشروع إلى استقرار السكّان في المنطقة وتقليل الهجرة إلى العاصمة وتحسين نوعية العيش، وخلق فرص عمل، وفرص استثمارية جديدة، وتحقيق نمو في إنتاج القطاع الزراعي. إلّا أن هناك تحدّيات أساسية يواجهها تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة منه، أبرزها تلوّث نهر الليطاني وبحيرة القرعون، التغيّرات المناخية وتراجع نسبة المتساقطات وانخفاض منسوب النهر، فضلاً عن التغيّرات الحاصلة في استخدامات الأراضي وتراجع النشاط الزراعي في المنطقة المستفيدة منه.
 
وتضيف "يواجه المشروع تحدّياً جدّياً آخر، يكمن في التغيّرات المناخية الحاصلة منذ عام 2001 تاريخ إعداد الدراسة. إذ تبيّن هذه الدراسة أن جدوى المشروع تتأمّن من خلال توفير النهر نحو 110 ملايين متر مكعب لإيصالها إلى القرى المستفيدة في الجنوب والنبطية، علماً أن هذه الكمّية تشكّل نصف سعة القرعون التي تراجعت من 220 مليون م3 إلى 130 مليوناً حالياً، فضلاً عن تراجع منسوب المياه من 800 مليون م3 إلى 300 - 350 مليوناً، وهو ما يعود إلى تراجع كمية المتساقطات بأكثر من 30% وفقاً للمجلس الوطني للبحوث العلمية، وانتشار الآبار الارتوازية المنتشرة بأذونات استثنائية على طول ضفاف النهر وتقدّر بأكثر من 30 ألف بئر. فضلاً عن ذلك، تبيّن الأرقام تغيّر البنية الاجتماعية والأراضي الزراعية في هذه المنطقة. إذ تراجع عدد العاملين في الزراعة من أكثر من 20% في بداية الألفية إلى 6.8% في عام 2015 وفقاً للمركز الاستشاري للدراسات والبحوث، بحيث هجر كثيرون الزراعة نحو قطاعات أخرى، وتقدّم المزارعون الحاليون بالسنّ. وتراجعت أيضاً الأراضي الزراعية نتيجة التمدّد العمراني وفقاً للتنظيم المدني، ما أدّى إلى انحسار الأراضي التي يستهدفها المشروع.
 
وتختم عقيقي مشيرة الى ان دراسة أعدّها المركز الاستشاري للدراسات والبحوث تلفت إلى أن الاستفادة القصوى من المشروع، أي تأمين 110 ملايين متر مكعّب، ترتبط بعوامل رئيسية، هي توافر هذه الكمّيات من المياه، وأن تكون غير ملوّثة ومستدامة، فضلاً عن تأمين الإطار التنظيمي للاستثمارات الزراعية والتدريب الزراعي والاعتماد على الدراسات العلمية. فوفقاً للتحليل المالي، يتبيّن أن المشروع "غير مجدٍ من الناحية المالية بناءً على فرضيات عام 2001 الواردة في دراسة دار الهندسة، كذلك فإن الفائدة المتوقّعة لكلّ مزارع تبلغ نحو 8000 دولار سنوياً، لكلّ حيازة فوق الـ10 هكتارات، إلا أن هذا الرقم قد ينخفض إلى 4000 دولار (330 دولاراً شهرياً) لكون 98% من الحيازات لا تزيد على 5 هكتارات".
إلا أن رئيس المركز الدكتور عبد الحليم فضل الله، يشير إلى أن "المطلوب تحديد الهدف من هذا المشروع والأولويات: هل هي الإفادة المالية التي يمكن تأمينها من خلال توليد الطاقة الكهربائية، أم التركيز على الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي يؤمّنها وتعزّز التنمية والإنماء في المناطق المستفيدة منه. إذ إنه كفيل بزيادة مداخيل المزارعين في المنطقة، ولو كانت نسبها متواضعة، وزيادة إنتاجية القطاع الزراعي بنحو 11.7% مع اعتماد أنواع جديدة من الزراعات، وتدريب المزارعين وتطوير قدراتهم وتأمين الإطار التنظيمي لعملهم والتمويلي لهم".
وأضاف أن "المردود من المشروع قد يصل إلى 500 مليون دولار كنتائج مباشرة وغير مباشرة ناتجة منه، وهناك إمكانية لزيادة إنتاجية القطاع الزراعي بنحو 11.7% مع اعتماد انواع جديدة من الزراعات وتدريب المزارعين وتطوير قدراتهم وتأمين الإطار التنظيمي لعملهم والتمويلي لهم، لكن المطلوب إيجاد سياسة زراعية متكاملة للبلد والتفكير بجدوى المشروع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والانطلاق في معالجة التحدّيات قبل انتهاء المشروع بعد خمس سنوات كي يتمكّن المستفيدون منه من الاستفادة منه فعلاً".