شكّل اعترافُ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأنّ أزمة تأليف الحكومة «لم تعد أزمة صغيرة لأنها كبرت» تطوّراً مهماً في منحاها، ويمكن أن يقود الى إعادة النظر في أساليب المعالجة بعد فشل المحاولات السابقة. وعلى رغم أهمّية هذا الاعتراف الرئاسي فإنّ الأخطر أن تشكّل دعوةُ رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الى توزير «سنّة علي مملوك» الترجمة غير المعلنة لهذا الاعتراف. فهل أصاب جنبلاط أم لا؟
 

من المفترض أن تسقط كل الملاحظات والمواقف التي تحاول الإيحاء أنّ حلّ عقدة تمثيل «نواب سنة 8 آذار» في الحكومة واردٌ بعدما كشف رئيس الجمهورية عمّا بلغه حجمُ الأزمة أمام المشاركين في سباق البدل السنوي لعيد الاستقلال يوم السبت الماضي. فقد تجاوز بذلك كل التكهّنات التي يردّدها البعض من وقت لآخر، سواءٌ عن جهل لما بلغته الأزمة من ردات فعل ما زال معظمها مدفوناً في الكواليس السياسية أو عن رغبة البعض الآخر وتمنياته بالوصول الى أيّ حلّ، ومحاولات إيحاء البعض أنه عليم بخفايا الأمور، وأنّ له دوراً يسمح له بإعطاء إشارات في اتّجاه الحلّ ولو ثبت أنها وهمية.

وعلى هذه الأسس، توقفت المراجع السياسية التي تراقب عن كثب ما آل اليه الحراك الفاشل في اتّجاه توفير مخرج للأزمة الحكومية التي بلغت حدوداً من التعقيدات جمّدت معها كل المبادرات الداخلية، واعتبرت أنه كان واضحاً منذ البداية أنّ حراك رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ومعه أولئك العاملين على خط الحلحلة من خلف الكواليس لن يصل الى أيّ نتيجة طالما أنه لم يلامس مواقف المعنيين بالأزمة مباشرة.

ويعترف أحد هؤلاء أنه لم يتمكّن من إلقاء الضوء مرة واحدة على حجم الأزمة التي وضعت الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله وحيداً في مواجهة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تشكيل الحكومة معاً. فهم المعنيون مباشرة بالأزمة وإنّ البحث خارج صيغة للحل في ما بينهم لا يعدو كونه مضيعةً للوقت. ويضيف: «ساذج وبسيط مَن يعتقد أنّ اجتماع الوزير باسيل بمجموعة النواب الستة يمكن أن يُنتج حلّاً. وكذلك فقد ظهرت هشاشة جولته على دار الفتوى وكليمنصو وغيرهما من المواقع وهو أمر أكّد المؤكد في وضوح أنها كانت مضيعةً للوقت ومنصّةً عابرة لم تقارب العقدة الحقيقية بجرأة وصراحة».

الى ذلك لم تؤدِّ هذه الجولة الى ما أراده باسيل، وتحديداً إبعاد موقع رئاسة الجمهورية عن العقدة وتجنيبه الغوص فيها وكذلك إبعاد حصته من المقعد السني عن المفاوضات الجارية، فهو في صلب المعركة طالما أنه حريص على عدم المَسّ بحصة الرئيس المكلف وكذلك حصة الرئيس ضماناً للتسوية السياسية التي ما زالت قائمة بينهما منذ عامين وستسري مفاعيلها على سنوات العهد كاملة.

ولذلك كله، ظهرت فداحةُ الخطأ الذي ارتُكب بإعلان باسيل بعد لقائه النواب الستة أنه اقترح إنهاء «مشروع التبادل» الذي طاول المقعد السنّي المختلف عليه والذي ناله رئيس الجمهورية مقابل المقعد المسيحي الذي أعطاه للحريري، فكانت ردة الفعل على هذا الطرح مرفوضة ومتساوية في كل المواقع على حدٍّ سواء. وليس سرّاً القول إنه، وكما فوجئت به دوائر قصر بعبدا في تلك اللحظة، سخرت منه مصادر «بيت الوسط» للأسباب المعروفة ورَفَضه «النواب المستقلون الستة» الذين ارادوا بموجب المهمة التي أوكلت اليهم استهداف حصة الحريري الحكومية وليس حصة أيّ مرجع آخر.

والمستغرب في الأمر أنّ جميع المتعاطين بالأزمة يدركون أن ليس هناك ما يجمع النواب الستة في أيّ موقف أو موقع سوى قبولهم بلعب دور استهداف الحريري. فقد سبق لهذا التجمع المصطنع أن فقد الثقة بنفسه منذ زمن، ولو لم ينعشه السيد نصرالله لكان فرط منذ زمن. فالمعلومات المتوافرة عمّا يدور من خلافات في ما بينهم، وإن لم تظهر الى العلن، ثابتة ومؤكدة لدى عدد من الدوائر المعنية ولا يمكن تغطيته الى النهاية. فهم يدركون بالمفرّق والجملة أنّ الشارع السنّي أعطى الحريري في ايام قليلة ما فقده منذ الإنتخابات النيابية وعزّز موقعه على مستوى القيادات الروحية والسياسية السنّية. ويقول أحدهم في مجالسه إنه كان عليه أن يفهم أنهم دخلوا المعركة من الباب الخطأ لو لم يسبقهم الى هذا التوصيف وزير الداخلية نهاد المشنوق من منبر دار الفتوى وليس من أيِّ موقع آخر.

فقد سبق للبعض منهم أن تبادل التحذيرات من أيّ مواجهة مع الحريري على خلفية الدعم المتوافر من قيادة «حزب الله» لوحدها في هذه المرحلة بالذات. وهو أمر عزّزته خطب الجمعة في عدد من المناطق، وخصوصاً في طرابلس وبيروت والبقاع الغربي والتي وضعتهم على لائحة نواب «سرايا المقاومة». وكان ذلك قبل أن يستمعوا أمس الأول الى موقف الوزير السابق أشرف ريفي من موقف الحريري الأخير الذي شكّل بالنسبة اليه سدّاً منيعاً امام ما يريده «حزب الله» متجاوزاً بذلك مواقف مجموعة النواب الستة.

والى ما تقدم، فإنّ الغوص في ردات الفعل التي قاد اليها موقف رئيس الجمهورية الجديد دفعت المراقبين الى قراءة موقف جنبلاط الأخير الذي دعا الى توزير واحد من مجموعة «نواب علي مملوك» نظراً الى ما حمله من تفسير خطير لما آلت اليه جهود الوساطات الداخلية لأكثر من سبب. وأبرزها يتصل بالربط الذي أجراه جنبلاط بين الأزمة وبين ما يروّج في المنطقة عن انتصار المحور السوري ـ الإيراني وإيحائه في حال كان امتداداً لتوصيف رئيس الجمهورية لحجم الأزمة ترجمة فعلية له.

وعليه فقد زاد اعتماد رئيس الجمهورية على رواية سليمان الحكيم لتصويره حجم الأزمة، من صدقيّة توصيف جنبلاط للنواب الستة. فما حملته رواية «أم الصبي» من اتّهامات كان يمكن تفسيرُها في اكثر من اتّجاه. ولكن إن صحّ موقف جنبلاط وصدقت قراءتُه لموقف رئيس الجمهورية فإنه يستهدف مَن يدعم توزير أحد هؤلاء النواب قبل غيرهم من الرافضين للخطوة. وعندها سيطرح السؤال البسيط: هل إنّ جنبلاط وحده فهم هذا الموقف؟ أم أنه أخطأ القراءة؟