رحّبت منظمات حقوقيّة كانت نظّمت حملات للمطالبة بإحقاق العدالة للضحايا وعائلاتهم بإقرار القانون
 
نكبة كبيرة أصابت آلاف العائلات اللّبنانيّة خلال الحرب الأهليّة، حيث تمّ إختطاف أبنائها وإخفائهم قسراً، ولم يُفتح خلال الأعوام الماضية أيّ تحقيق رسميّ و جدّيّ مُتكامل حول مصيرهم. وبعد مرور 43 عامًا، على إنتهاء الحرب الأهليّة، أقرّ لبنان للمرّة الأولى في تاريخه قانونًا يرمي إلى كشف مصير آلاف المفقودين خلال الحرب الأهليّة ومُلاحقة المسؤولين عن إختفائهم.
 
واجه هذا الملف أعذارًا واهيةً مثل إعتبار أنّ الملف يفتح ذاكرة الحرب ويؤدّي إلى مُشكلات مُتشعّبة ما لبث وأن طويت. بلدان عديدة تعاملت مع الملف عينه بعد الحروب والنزاعات التي شهدتها مثل الجزائر، المغرب والأرجنتين، إلّا أنّ المشكلة تكمُن في ضلوع  السياسيّين الحاليّين في الحرب التي وقعت في لبنان، عام 1975.
 
أفادت تقديرات منظمات حقوقيّة باختفاء الآلاف خلال الحرب بين العامين 1975 و1990، وقد دعت مرارًا إلى قانون لكشف مصيرهم.
 
وأقرّت الجلسة التشريعيّة المسائيّة، يوم أمس الإثنين، إقتراح القانون الرقم 19 المتعلّق بالمفقودين قسرًا، بعد نقاشٍ مُطوّل، وينص القانون على إنشاء "هيئة وطنيّة للمفقودين والمخفيين قسرًا" تهدفُ إلى الكشف عن مصيرهم.
 
ويعطي القانون عائلات المفقودين "الحقّ في معرفة مصير أفرادها وذويها المفقودين أوّ المخفيّين قسرًا وأمكنة وجودهم، أو أماكن إحتجازهم، أو إختطافهم، وفي معرفة مكان وجود الرفات وإستلامها، وفق المادّة الثانية منه." 
وأتى في نص القانون أنّ "كلّ من أقدم بصفته محرّضًا أو فاعلًا أو شريكًا أو متدخلًا في جرم الإخفاء القسري يُعاقب بالأشغال الشاقّة من خمس سنوات إلى خمسة عشرة سنة، وبالغرامة من خمسة عشر مليون ليرة لبنانيّة حتى عشرين مليون ليرة"، أيّ حوالى 13 ألف دولار.
 
ورحّبت منظمات حقوقيّة كانت نظّمت حملات للمطالبة بإحقاق العدالة للضحايا وعائلاتهم بإقرار القانون، وكتبت المتحدثة باسم اللّجنة الدوليّة للصليب الأحمر رونا حلبي على موقع "تويتر": "نرحّب بإقرار قانون المفقودين في مجلس النواب. هي خطوة أولى باتجاه إعطاء أهالي المفقودين حقّهم في معرفة مصير أحبائهم"، مؤكّدةً إستعداد اللّجنة الدوليّة للصليب الأحمر "لمساندة السلطات اللبنانيّة في إنفاذ هذا القانون".
 
من ناحية، أخرى قال رئيس حزب الكتائب اللّبنانيّة النائب سامي الجميل في مداخلة خلال الجلسة التشريعيّة المسائيّة: "الحزب يؤكد دعمه الكامل لاقرار قانون المفقودين قسراً، لأننا نفهم معاناة الأهالي وجرحهم العميق. هذه الخطوة تأخرت 28 سنة، وكان يفترض عقد مصالحة ومصارحة بعد الحرب تعالج كل هذا الموضوع".
 
وأضاف: "في كل دول العالم تعتمد آليات للعدالة الانتقالية الأمر الذي لم يحصل في لبنان. لنقم بهذه الخطوة، فكما يقول المثل من الأفضل أن نقوم بها اليوم من ألا نقوم بها أبدا".وتمنى "ألا يختلط هذا الموضوع مع موضوع المعتقلين في السجون السورية، خصوصاً أن لدى بعض السياسيين علاقات مع الدولة السورية ومنها علاقات قانونية، ويستطيعون من خلال هذه العلاقات أن يحلوا هذا الموضوع ويعيدوا المعتقلين في السجون السورية وعلى رأسهم عميد المعتقلين في حزب الكتائب القائد بطرس خوند".
وغرّد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، على حسابه الخاصّ عبر موقع "تويتر"، فقال: "بإقرار قانون المخفيين قسراً يدخل لبنان للمرة الأولى بعد الحرب في مرحلة مصالحة حقيقية بتضميض الجراح واعطاء الأهالي حقهم بالمعرفة ولولا غازي عاد لما كان هذا القانون... الى روحه نقدّمه".
 
يُعدّ ما جرى الأمس، إنجازًا وبداية الطريق، لاسيّما وأنّ النظام الداخلي لمجلس النواب ينصّ على "حقّ المواطنين في تقديم عرائض ‏وشكاوى إليه، على ان تُعرض هذه المطالب على جدول أعماله‎"، وهذه الخطوة حجر أساس لوضع حد لمعاناة الاف العائلات وإقفال آخر ملف من ملفات الحرب.
 
ولمن لا يعلم، فإن أسماء المفقودين لا تزال موجودة على لوائح الشطب. هم غير متوفّين حتى اليوم. هم مخطوفون، مفقودون… واليوم، ‏الحلّ هو عند الأهالي. إطاره مرسوم وواضح ولا بد من نقطة بداية، هذه النقطة حدّدتها العريضة عبر المطلبَين الأساسيّين:"إنشاء الهيئة ‏الوطنيّة وبنك الحمض النووي، لذا من المهم أن يفي النواب خلال الجلسة بوعودهم، أو الأصح بتواقيعهم، فيقرنوا التواقيع بالمصادقة على ‏إقتراح القانون، حتى لو أتى آخر بند في الجدول".
 
وتغيّرت حياة الكثير من العائلات والأمهات والأطفال والزوجات،  فهؤلاء لا يعيشون مثلنا. إن حالة الشك والضياع والانتظار التي رافقتهم  ليل نهار لا يعالجها الا اليقين. وذلك من حقهم معرفة مصائر أهلهم ، هذا حق بديهي وغير قابل للمساومة، هو مكرّس في القانون الإنساني الدولي وفي القضاء اللّبنانيّ.