يعتقد بعض السياسيين أنّ الغبار الذي أثارته قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في اسطنبول، ربما سيوفّر للمعنيين بالاستحقاق الحكومي اللبناني فرصة سانحة لإمرار تأليف الحكومة العتيدة تحت جنح الإنشغال الخارجي بهذه القضية، وذلك وفق القواعد التي طُرِحَت في اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، وما تزال قيد البحث في الدوائر المعنية.
 

يستند هؤلاء السياسيون في اعتقادهم هذا، الى انّ قضية الخاشقجي تتفاعل على المستويين، الامر الذي بدأ يُبعِد لبنان عن دائرة اهتمامات الافرقاء الاقليميين والدوليين الذين يُقال انّ تأخّر ولادة الحكومة حتى الآن مردّه الى انّهم لم يُطلقوا «الضوء الأخضر» او «كلمة السرّ» للمعنيين بعد، لكي يشرعوا في تأليفها على غرار ما كان الأمر بالنسبة الى حكومة الرئيس تمام سلام التي «هبط الوحي» لتأليفها بين ليلة وضحاها بعد 11 شهراً من تكليفه بتأليفها، تخللها من المماحكات والمناكفات والخلافات ما كان يمكن أن يفجّر أزمة سياسية كبيرة، لولا هدوء سلام ونزعته الدائمة الى الوفاق والتوافق والى التفهّم والتفاهم، فولدت هذه الحكومة في اليوم التالي بسلاسة فاجأت الجميع وسُميّت «حكومة المصلحة الوطنية» يومذاك.

ولمناسبة سفر رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جنيف أواخر الاسبوع الجاري مترئساً وفد لبنان الى الاتحاد البرلماني الدولي، عاد البعض في الذاكرة، كيف أنّ حكومة سلام تشكّلت عام 2015 قبيل سفره في مثل هذه الايام الى جنيف للغاية نفسها، حيث صدرت مراسيم تأليف الحكومة بعد زيارته القصر الجمهوري وإطلاعه عليها، ومن ثم توجّهه بعدها الى المطار حيث كان الوفد المرافق في انتظاره للتوجّه الى سويسرا.

وفي اعتقاد المتابعين للاستحقاق الحكومي، انّ هذا السيناريو قد يكون الأكثر رجحاناً، على ما تظهره التطورات الجارية داخلياً واقليمياً ودولياً، في ضوء قضية الخاشقجي، وقبلها في ضوء نتائج لقاء عون والحريري الاربعاء الماضي وما تلاه من مواقف للأخير ردّ عليها رئيس «التيّار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل بمجموعة شروط لتأليف الحكومة، تم ردّت «القوات اللبنانية» عليه لكونه حدّد ما سيكون حجمها التمثيلي في الحكومة، وكذلك ردّ عليه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط بدعوته الى درس ما طرحه بجدّية، وهو ردٌ رأى فيه البعض شيئاً من «التنكيت» و«الدعابة» على الطريقة الجنبلاطية المعروفة.

وفي حال مبادرة عون والحريري الى اصدار مراسيم تأليف الحكومة في هذه العجالة وتحت جنح الإنشغال الاقليمي والدولي بتفاعلات قضية الخاشقجي ومضاعفاتها وردّة الفعل، فإن حزبي «القوات» و«التقدمي الاشتراكي» سيكونان الخاسرين في التركيبة الحكومية المرتقبة، في حال استمرّا يعاندان ويعارضان الحصص المطروحة عليهما، من حيث عدد الوزراء ونوعية الحقائب الوزارية التي ستُسند اليهما.

غير انّ فريقاً من السياسيين يعتقد انّ «الاشتراكي» قد لا يخسر كثيراً لأنّ رئيسه جنبلاط أجرى في الايام الأخيرة الفائتة «ثلاثة أرباع استدارة أو تكويعة» مستدركاً ما يحصل حتى لا يتعرّض لخسران كبير او لاستبعاد من التوزير في حال استمر متشبثاً بشروطه ومطالبه، وهي ان تكون الحصّة الوزارية الدرزية كلها له لما يتمتع به من تمثيل درزي ساحق (يقول انّ نسبته 95 في المئة، حسب ما أظهرته نتائج الانتخابات النيابية في أيار الماضي).

امّا «القوات اللبنانية» فربما تُخرِج نفسها او يتم إخراجها من الحكومة اذا ظلت تعاند، غير قابلة بما يُطرح عليها من حصة وزارية، وخصوصاً ما تمّ البحث به في اللقاء الأخير بين عون والحريري، حيث وافق رئيس الجمهورية على اقتراح الحريري بقاء منصب نائب رئيس الحكومة من حصّة «القوات» كما هو الآن في حكومة تصريف الاعمال، لكن هذه المرّة من دون إلصاق حقيبة وزارية به، إضافة الى ثلاثة وزراء آخرين، إثنان بحقيبتين والثالث وزير دولة، وهو ما لم توافق «القوات» عليه بعد، في وقت لم يرشح انّ عون او الحريري في وارد اعطاء «القوات» حصة أكبر من ذلك.

على انّ هؤلاء المتفائلين بولادة الحكومة قريباً، يعودون للاستدلال الى ذلك من خلال اعلان الحريري الخميس الماضي في ندوته المتلفزة، انّ الحكومة ستولد خلال اسبوع الى عشرة ايام. ويؤكّدون انّه لا يُعقل أن يضع الرجل صدقيته على المحك ما لم يكن متيقناً من أنّ المعطيات التي بين يديه متينة جداً الى حد انّها دفعته الى الجزم بلا تردد بأنّ الولادة الحكومية ستتم خلال هذه الفترة الزمنية الوجيزة.