زارني طوني إبن الـ15 عاماً، طالباً إبقاء زيارته سراً، خصوصاً بالنسبة لوالديه، وقال: «أحتاج إلى المساعدة كي أتمكن من الكلام». فاجأني بطلبه شديد الدقة، فقلت: ها أنت تتكلم. فأجابني: «أتكلم هنا، وفي حضرة الغرباء، أمّا أمي وأبي اللذان يطلّقان بعضهما، فأشعر وأنا معهما بأنني أبكم، فاقد للنطق، يعلق الكلام في حنجرتي، حيث بدأت أشعر بالألم بشكل دائم».
منذ 3 أعوام ترك والد طوني المنزل، على أثر خلاف كبير مع زوجته، الوالدة، متوعداً بالطلاق، إلا أنها كما يذكر طوني، كانت تهدده بالدمار والسجن المؤبد. «لا أستطيع نسيان هذا المشكل المرعب يومها».
 
اليوم، وبعد 3 سنوات، يتأرجح المراهق في السكن بين أبيه وأمه، وهو عندما يكون مع أحدهما ينقطع عن الآخر، ويشعر بأنه لا يريد التعاطي معه بشكل نهائي، والعكس بالعكس.
 
يعلم طوني أنه واقع تحت تأثير أبويه المنفصلين، إلّا أنه بدأ يعاني صعوبة في إرضائهما، ورفض الانصياع لطلباتهما منه، فالأم تجبره على الكذب على الأب لتحصيل المال منه، أما الأب فيريد معلومات عن زوجته، عن طريقة عيشها، عن علاقاتها وما سوى ذلك، وكل هذه الأمور مطلوبة من المراهق المسكين طوني.
 
يرتفع عادة مستوى الإنفعال بين الزوجين بعد اتخاذ قرار الفراق، خاصة عندما لا يتناسب ذلك مع المصالح الشخصية، فيسود الإنتقام واللوم والإهانات المتبادلة، وأكثر من يُصدَم بذلك الأبناء. كأنّ ما يعانون منه جرّاء الإنفصال لا يكفي، فيزيد الأهل عليهم جرعة السم المميت.
 
كيف يتفاعل الأبناء نفسياً مع صراع الأبوين؟ وما هي نتيجة ذلك على مستقبلهم؟
 
عند الإنفصال يشعر الأبناء بالذنب ويظنّون أنهم كانوا السبب في ذلك، هذا عدا عن ألم الانفصال عن أحد الأبوين أو كلاهما، كما يسعون دائماً إلى إرضاء المنفصلين، فيميلون أحياناً إلى الكذب، وأحياناً أخرى إلى اختراع أمور عارية عن الصحة، أو الهروب تجنّباً لقول الحقيقة.
 
لا تُدخلوا الصغار بلعبة الكبار، قوموا بواجبكم تجاههم وتجنّبوا استعمالكم لأبنائكم دروعاً بشرية لمعارككم، كأداة تتصارعان بها، إنّ ذلك لخطأ فادح ومدمّر، لأنكم بذلك تقضون على صحة أبنائكم النفسية، وتُنمّون لديهم الميل الدائم إلى إرضاء الآخر، أيّاً كان، فيقدّمون التنازلات مقابل ذلك، ما يعرّضهم للاستغلال على جميع الأصعدة. كما يدفعهم ذلك إلى البحث عن حب الآخر الموجود خارجاً ورضاه، فيقعون ضحية التحرش الجنسي والاغتصاب، والسرقة والتدخين والمخدرات...
 
إنّ شدة الإنفعال لدى الأهل تعمي عيونهم عن الآثار السلبية التي يتسببون بها لأبنائهم. لذلك وَجب على كل أم وأب لم يتفقا في الحياة الزوجية، اللجوء الى اختصاصي وطلب الإرشاد والمساعدة للخروج من العلاقة بأقل خسائر ممكنة. وبالتالي، التعلّم على إتقان المرونة في التعاطي مع الأحداث.
 
نحتاج في لبنان إلى ثقافة الإنفصال عن الآخر، يسودنا حس التملّك له، فغالباً ما لا نتقبّل الحياة معه، إلا أننا نريده لنا، لا نرضى بأن يرتبط بأي شخص آخر. لِم لا نفترق بسلام كما كانت الحال عندما ارتبطنا؟ وإذا كان لا بد من فك الإرتباط الزوجي، لماذا لا نحيا ذلك بحضارة ووعي، ونجنّب أنفسنا ومن نحبهم الأذية والسلبية؟