لم يوفّر فرصة إلّا وتمنّى لو ينتهي من الزواج ومسؤوليّاته، وخصوصاً من الإرتباط. فلطالما كرّر رغبته بأن يعود حرّاً: «عا بالي كون عصفور طيّار، إسهر سافر إتسلّى، وما في زوجة تقلي وين رايح ووين جايي، وتشكيلي عا الولاد والمسؤوليّات، ندمت عالساعة وزهقت». فهل يشكّل الإرتباط ضغطاً نفسيّاً؟ لماذا يتزوّج البعض ولا يتزوّج البعض الآخر؟ ما هي فوبيا الإرتباط؟
 

نربّي أبناءنا على التطوّر والتقدّم في الحياة، وخلال رحلتهم يكتسبون العلم والمعرفة من المدرسة والجامعة، ثم ينخرطون في معترك العمل. وأثناء ذلك يعيشون علاقات إجتماعية كثيرة، في العائلة، مع الأقرباء، والأصدقاء والرفاق، مع زملاء المدرسة والجامعة والأحباب والأزواج.

من العلاقات ما يستمر لسنوات طويلة، وأحياناً إلى الأبد، ومنها ما ينتهي لأسباب مهمّة كالغدر والخيانة أو السفر والبعد الجغرافي. قد تكون نهاية العلاقات بسيطة وسهلة، وقد يكون الفراق محطّة مؤلمة جدّاً في مسيرة حياتنا.

أمّا بالنسبة للدخول بالعلاقات الإجتماعية فهو أمر عفوي بديهي في معظم الحالات، إلا أنّنا قد نلتقي بأشخاص حذرين، ونلاحظ صعوبة انخراطهم في المجموعات، وتحفّظهم حول حياتهم الخاصة والشخصية، فنشعر كأنّهم خائفون وحذرون، ويختارون بدقّة الأشخاص المقرّبين منهم، والذين لا يكثر عددهم بالإجمال.

منذ سنوات والجميع يعرف بأنّ فارس وندى يحبّان بعضهما، إلّا أنّ ندى لم تفهم يوماً تقلّباته، فهو ما يكاد يقترب منها، يبتعد من جديد، وهي تقول بأنّها تشعر بحبّه لها، ولا تشك بأن له علاقة مع فتاة أخرى: «فارس قلق، ويخاف من الإرتباط والزواج، وأنا كنت راضية بذلك في الماضي، أمّا الآن وقد أصبحت في الأربعين من العمر، لا أريد أن أضيّع المزيد من الوقت، فأفقد نهائيّاً فرصة الإنجاب وتأسيس عائلة». لم يعد يناسب ندى شكل العلاقة الحالي، إلّا أنّها تحب فارس وتريد أن تكمل حياتها معه، وهي في طور البحث عن حقيقة فوبيا الإرتباط، أسبابها وكيفية علاجها.

قد يكون الخوف من الإرتباط طبيعيّاً ومقبولاً في حال تعلّق ذلك بشريك دون الآخرين، أي أن يكون الشخص موضوع الإرتباط غير مناسب للمجتمع الذي نعيش فيه، أو بسبب سلوكياته غير المقبولة، فقد يقع شاب من قرية جبلية بحب فتاة تكبره بعشر سنوات، ويرغب بالعيش معها، إلّا أنّه متأكّد من أنّ ذلك أمر مستحيل بالنسبة لأهله، فيخاف من الإرتباط بها ويتجنبه. في هذه الحال لا نتكلم عن خوف مرضي مطلق لدى الفرد.

 
 

الأعراض
قد يشعر من يعاني من فوبيا الإرتباط بالإنجذاب والحب، لكن سرعان ما يشعر بالخوف الشديد من فكرة إمضاء حياته مع الشخص نفسه، فيخاف، ويهرب عندما تصبح الأمور جدية. كما أنه يقلق من فكرة أنه لن يكون حرّاً بعد اليوم، وسوف يُحرم من الخروج مع الأصدقاء.

الأسباب
أسباب كثيرة تكمن وراء رهاب الإرتباط، ومنها التجارب السابقة وخصوصاً العلاقة مع الأبوين منذ الصغر، وفقدان الرابط العائلي، والتجاوب من قبل الأهل عند الحاجة؛ كما يؤدي انفصال الأهل عن أولادهم إلى المزيد من هذه الحالة. كما قد يكون نتيجة التعرض للخيانة والغدر في علاقة سابقة، أو نتيجة عيش تجربة خيانة تعرّض لها أحد المحيطين من أهل وأصدقاء.

كما لا يستهان بالدور الذي تلعبه الثقة بالنفس وتقدير الذات في الخوف المرضي من الإرتباط، فلا يتجرّأ على الدخول بعلاقة من يعاني من التردّد، والخوف من عدم النجاح وعدم القدرة على إسعاد الآخر.

العلاج
السعي لتخفيف مستوى القلق بشكل عام، بالإضافة إلى العودة إلى سبب الحالة، والعمل على الإيجابية، المرونة، الثقة بالنفس وحسن تقدير الذات.

تتراجع معدلات الزواج في مجتمعنا، وقد يكون قلق الإرتباط والزواج أحد مسبباتها، لكن ماذا عن الضغوطات الإجتماعية والإقتصادية لدى الشباب؟ ماذا عن وسائل التواصل الإجتماعي التي توجد دائماً شخصاً بديلاً لنا، وتُشعرنا بأنّه يمكننا أن نجد من هو أفضل للإرتباط به؟