يشيد حزب الله بمواقف وزير الخارجية جبران باسيل حيال الردّ على الصور التي أظهرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من منبر الأمم المتحدة. يعتبر الحزب أن باسيل كان سبّاقاً في الرد الممتاز على كلام نتنياهو، من الطائرة التي أقلته من نيويورك إلى لبنان. واستكمل حراكه في دعوة السفراء الأجانب إلى زيارة أحد المواقع التي زعم نتنياهو أنها تحوي مصانع صواريخ، بالإضافة إلى تسميعهم الردّ اللبناني الرسمي الذي ينقض كلام الإسرائيليين. نجح باسيل في هذا الموقف بكسب مزيد من ثقة حزب الله. ما من شأنه أن ينعكس في منحه المزيد من التفويض في عملية تشكيل الحكومة.

لا يتلاقى موقف باسيل مع موقف حزب الله فحسب، بل مع موقف روسيا التي سارع وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى اعتبار أن أي ضربة إسرائيلية للبنان ستكون خرقاً خطيراً للقانون الدولي. وهي إشارة روسية إلى معارضة أي خطوة إسرائيلية، وهي رسالة بأن موسكو تدخل المعادلة اللبنانية إنطلاقاً من تسلّمها زمام الامور في سوريا. وإشارة إلى الدور الروسي المتنامي في المنطقة، والذي يبدو أنه لن ينحسر. إسقاط الطائرة الروسية في اللاذقية قبل فترة، صبّ في مصلحة الايرانيين، إذ تتشدد موسكو في فرض مزيد من الشروط على الإسرائيليين ونشاطهم العسكري في الأجواء السورية، والإيحاء بأن الأجواء التي كانت مفتوحة أمامهم لتوجيه أي ضربة يريدونها، لم تعد كما كانت سابقاً بل هناك شروط جديدة ستفرض على تل أبيب. ما يمثّل حماية للايرانيين ومواقعهم.

تستكمل موسكو بناء منظومتها الحمائية في المنطقة، من خلال الاصرار على التمسك بمبادرتها لإعادة اللاجئين، والاستعداد لقيامها بدور تسووي في أزمة الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل وما قد ينجم عن ذلك من تسوية بشأن البلوكات النفطية. هذه العناوين كلّها تمثّل تطورات تسدّ الفراغ السياسي الداخلي لبنانياً في ظل إنسداد أفق تشكيل الحكومة وبقاء التوازنات على ما هي عليه. وهذا يعني أن الأزمة مستمرة بأشكالها المتعددة، من عرقلة تشكيل الحكومة، إلى استمرار الانقسام بشأنها، وما يتخلل ذلك من صراع على الصلاحيات.

أزمة لبنان من أزمة المنطقة، والمعطيات تشير إلى أنه مقبل على نفق مسدود لا يمكن الخروج منه بدون حدث كبير قد يؤدي إلى اندلاع حرب، ولكن لا أحد يعلم شكل هذا الحدث الكبير. الأكيد، أن ايران لا تريد حرباً، ولكن تبقى القضية في حسابات إسرائيل والولايات المتحدة. لا تريد أميركا إنهاء المشروع الايراني في المنطقة، وهي تستفيد منه. فمن تعلن واشنطن أنه عدو، عمل على تفكيك دول ومجتمعات في المنطقة، ودفع العرب إلى اعتبار أن مواجهة ايران تتقدم على مواجهة إسرائيل، لأن طهران تمثّل خطراً وجودياً على المنطقة وأنظمتها. ليس في امكان إسرائيل أن تقيم مشروعاً صهيونياً في سوريا مثلاً، بينما ولاية الفقيه قادرة على تطبيق مثل هذه الولاية في العراق وسوريا.

كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام خير دليل عن الاستراتيجية الأميركية، وهو حين يقول إن على الدول الغنية مثل السعودية أن تدفع تكاليف الحفاظ على أمنها وأنظمتها، يوجه رسالة بالغة الدلالة، بأن ايران بنظامها الحالي تمثّل حاجة استراتيجية لواشنطن تسمح لها الاستمرار في ابتزاز العرب، الذين سيحتاجون إلى عناصر قوة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة التمدد الايراني. المعادلة الأميركية في ظل ترامب تتجلى أكثر فاكثر، تخويف العرب بالايرانيين، ابتزازهم لدفع مزيد من الأموال، والتي لا تبدو كافية كما يقول ترامب الذي يؤكد أن ليس لديه أي هدف في اسقاط النظام الايراني.

مشروع الابتزاز الترامبي مستمرّ. هو لا يقتصر على ابتزاز العرب بتخويفهم من الايرانيين. العمل على تزكية الخلافات الخليجية، وانفصال ترامب عن الدولة العميقة في واشنطن وتغريده خارج السرب المؤسساتي في دعم الأزمة الخليجية أمور تفيد بأن عملية الابتزاز مستمّرة. تماماً كما هي الحال في افتعال الأزمات مع تركيا على أبواب فرض عقوبات قاسية على ايران، حيث أعلنت أنقرة رفضها هذه العقوبات، فزاد ترامب ضغوطه الاقتصادية والسياسية عليها، في مسار لن يؤدي إلى استمرار التكامل التركي الايراني على حساب العرب، فيما ايران ستجد بتركيا الملدوغة من جحر أميركي أكثر من مرّة، ضالتها الاقتصادية. ففي فتح أسواقها أمام طهران المحاصرة والباحثة عن بصيص ضوء نفطي وتجاري، تكون تركيا ضالّتها فيه، للاستعاضة عن مترتبات العقوبات.