بين حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي من جهة، وتيار المستقبل من جهة أخرى، بعض العتب وتبادل الاتهامات. هناك من يقول إن تسوية انتخاب الرئيس ميشال عون، ووجود الوزير جبران باسيل في واجهة السياسة، أسهما في خلخلة هذا التحالف الثلاثي. ويعتبر هؤلاء أن باسيل عرف جيّداً كيف يحوك خيوطه ويلعب على أوتار الانقسامات بين الأفرقاء الثلاثة. والعتب بين الحلفاء الثلاثة يتصاعد في ظل الضغوط الممارسة لإنجاز التشكيلة الحكومية. يعرف حزبا القوات والاشتراكي أن الرئيس المكلف سعد الحريري تغيّر كثيراً. ليس لديه موقف واضح، تارة يكون إلى جانبهما حتّى النهاية، فيعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل أنه تغيّر، وطوراً ينقلب ليصبح إلى جانب عون وباسيل في مواجهة الحليفين، القوات والاشتراكي.

يوم السبت الفائت، 22 أيلول، توجه الحريري بزيارة سرّية إلى بعبدا، التقى خلالها الرئيس عون، مع حرص على عدم تسريب الخبر. في هذا اللقاء قال الحريري كلاماً طمأن عون، مؤكداً التزامه بمندرجات التسوية. لم يخبر الحريري حليفيه المفترضين بهذه الزيارة، تماماً كما لم يخبرهما حين ذهب في مفاوضات مع سليمان فرنجية بشأن الرئاسة، ثم مع عون. وهذا دليل على أنه لم يتغير. وصل الخبر إلى إحدى الشخصيات قبل أن يتسرّب في الإعلام. وربما هذا ما دفع رئيس القوات سمير جعجع إلى زيارة بيت الوسط ولقاء الحريري، وعندما بدأ الحريري الكلام عن الحصص، قاطعه جعجع قائلاً إن القوات تتمسك بخمسة وزراء، ولا نقاش في هذا الأمر، وأن القوات لا تريد سماع شروط باسيل.

هناك من ينتظر انقلاب الحريري على جعجع وجنبلاط. ولكن، لا توقيت واضحاً لإقدامه على هذه الخطوة. هناك كثير من الاعتبارات والموانع، خصوصاً في ظل الضغط الدولي والاقليمي الكبير على لبنان، والذي تمثّل بالتهديدات الإسرائيلية. وهذه قد تكون عاملاً مساعداً بقدر ما قد تكون عامل تعقيد. بالتالي، فإن الحريري الملتزم بمندرجات التسوية مع عون، ينتظر لحظة مناسبة لتقديم ما يريده الرئيس. وليس تلويح عون بحكومة أكثرية إلا في إطار الضغط على القوات والاشتراكي، لأن لا عون ولا حزب الله ولا الحريري يريدون حكومة أكثرية. وهناك من يعتبر أن حزب الله يريد الحكومة في تشرين الأول، أما طرح تشكيل حكومة أكثرية فهدفه التهويل على القوات والاشتراكي لجرّهما إلى بيت الطاعة. لذلك، سيشتد الضغط بغية تحقيق ذلك، بينما الحريري ينتظر مخارج من التزامات خارجية قطعها على نفسه.

وبينما سبق السيف العزل، بالنسبة إلى الرسمة الحكومية، وفي انتظار أن يستطيع الحريري اجتراح مخرج لتقديم تشكيلته التي يوافق عليها عون وباسيل، تدور حلقات العتب بين المستقبل والقوات والاشتراكي، بحيث يحمّل كل طرف الآخر مسؤولية ما جرى. فالمستقبيلون يعتبرون أن جعجع أخطأ في التركيز على مصالحه التكتيكية على حساب الاستراتيجيات، وأنه دخل في صراع على الموظفين والوزراء والإدارات، وبالتالي يتحمّل مسؤولية جزء كبير مما حصل. بينما كان بإمكانه الذهاب إلى المعارضة التي تحتاج إلى زعيم يقودها. في الأثناء، يتعامل جنبلاط بنوع من اليأس. جعجع همّه أن يكون زعيماً مسيحياً، وجنبلاط يعرف أنه زعيم الدروز. والرجلان لا يريدان قيادة جبهة معارضة.

وتعود قراءة المستقبل إلى ما قبل إقرار قانون الانتخاب، حين فكر جعجع في المنطق العددي والتكتيكي وليس في الاستراتيجية، وتوجه إليه أحد المستقبليين بأنه يجب عدم إضاعة البوصلة، وعدم التلهي بالمعارك على المناصب مع التيار الوطني الحر، مقابل عدم التركيز على ما يفعله حزب الله، الذي يفضّل خلافات اللبنانيين بين بعضهم البعض ويبقى هو مهتماً بالبعد الاستراتيجي. ويعتبر هؤلاء أن جنبلاط وجعجع أضاعا نفسيهما، فجنبلاط قدّم نفسه زعيماً وطنياً له علاقات خارجية ومستشرف للتحولات، بينما كان جعجع يقدّم نفسه كقائد سياسي ومفكّر سياسي استراتيجي، لكن الحال انتهى به إلى التناتش على مواقع إدارية وحكومية.

في المقابل، يحمّل الاشتراكي مسؤولية ما يجري للحريري وجعجع، لحساباتهما الخاطئة، مصلحة ضيقة بالنسبة إلى الأول واعتبارات مسيحية بالنسبة إلى الثاني. وكله لا يفيد، لأن باسيل يتجاوز كميل شمعون ويمثّل الفاتحين بالنسبة إلى الشارع المسيحي في هذه الأيام. أما القوات، فتلقي باللوم الكامل على الحريري، الذي ذهب إلى خيارات لم يعرف تبعاتها، ولم يقرأها بموضوعية، وكل هذه الخيارات كانت فردية، لكنه سيدفع ثمنها عاجلاً أم آجلاً لمصلحة الذين أراد التحالف معهم، وله خير دليل ما جرى منذ الانتخابات حتى اليوم.