أول شي بونسوار... تخايلت نفسي أقف بين المرشّحات على لقب ملكة جمال لبنان، وأردّ على سؤال أحد أفراد لجنة التحكيم عمّا يمكن أن أقوله أمام العالم عن وجه لبنان الحقيقي، ومع كل التوتّر والضغط والإثارة، لما كنت تردّدت في توصيف الصورة القاتمة التي يعكسها لبنان هذه الأيام بكلّ أوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية، صورة يسهر كثيرون من المفسدين على تظهيرها في المحافل الدولية ووسائل إعلام الدول المتحضّرة... لكن بما أنّ الله لم ينعم عليّ بالجمال الكافي للمشاركة، أكتفي كمشاهد بتخايل أنّ اللبنانيين من أول مواطنيهم إلى آخر مسؤوليهم يتبارزون يومياً وفي كلّ سهرة على تظهير الجمال وقدراتنا على خلقه مثلما شاهدنا أمس في حفلة انتخاب ملكة جمال لبنان 2018 على شاشة «أم تي في».

ساعات قليلة من الإبهار البصري، بالديكور والصورة والإخراج واللوحات الراقصة والتقنيات العالية، بالإضافة إلى الإطلالة اللافتة للإعلامي الزميل مارسيل غانم... عوامل أنسَتنا نحن المشاهدين العتمة المفروضة علينا في الخارج، وأخذتنا إلى جمال صُنِع في لبنان بقدرات مخرجين وتقنيين وإعلاميين انتبهوا إلى كل تفصيل في محاولة لإظهار وجه لبنان الحقيقي بكابل مشكوك في إرادة فنيّة تعرف كيف تكون سبّاقة في المنطقة برمّتها... فلم يقتصر الجمال على وجوه الفتيات وثقافتهنّ، بل امتدّ على مساحة إنتاج بصري وسمعي مشغول بحرفية، فكان لافتاً استخدام الواقع المعزّز في بلد واقعه مقزّز.

صحيح أنّ الجمال نسبي، ويمكن أن يختلف تقييمه من شخص إلى آخر، وكان لكلّ واحد منّا متسابقة مفضّلة تمنّينا ارتداءها التاج، لكن لم نختلف كثيراً على المستوى الفكري والثقافي الذي تمتّعت به الفتيات ليل أمس، وكان واضحاً التركيز على هذا المنحى بالتحديد لتفادي التعليقات السلبية على أجوبة المتسابقات الفارغة، فكانت الفتيات جاهزات أكثر من أي وقت مضى، فقدّمن صورة جميلة من الخارج والداخل.

30 صبية اعتلين مسرح التتويج، وخرجت 15 فتاة من الظهور الأول، لكنّ كثيراً من الناس تساءلوا لماذا لم تُتح لهم فرصة التعرّف إليهنّ أكثر والحكم على إطلالتهنّ من أمان صالوناتهم حتى لو لم يكن لهم رأي في ذلك؟ وفي القسم الثاني من الحفلة، مرّت سلسلة من التقارير الشخصية حول كل فتاة، كانت تحتمل موسيقى حيوية أكثر حتى لا تفسد الأحداث زخمها وتأثيرها، فشعرنا كما لو أنها أخرجتنا من الحماسة، قبل أن يعيدنا مرور فساتين السهرة إلى حضن الجمال. وبالطبع كان الجميع، الشامتين والمشجعين، في انتظار مرحلتي الأسئلة، وإذ كانت المفاجأة بالأجوبة الذكية والرصينة وحتى المؤثّرة والإنسانية، وكان واضحاً مستواها إذ كادت تغيب التعليقات الجارحة على أجوبتهنّ.

ومنذ بداية السهرة، كان واضحاً الحماس الجماهيري على مواقع التواصل الإجتماعي للمتسابقة مايا رعيدي، وتمنّى كثيرون فوزها باللقب إلى درجة أن البعض شَبّهها بملكة جمال الكون جورجينا رزق... لكنّ النتائج لم تخيّب التوقعات، إذ فازت مايا رعيدي بلقب ملكة جمال لبنان لعام 2018، فقدّمت للمشاهدين مثالاً عن الفتاة اللبنانية الجميلة والمثقّفة في آن، تماماً مثلما قدّمت الشاشة صورة حقيقية عن لبنان الجميل الذي يحتاج دائماً إلى قدرات مبدعيه ليكون جميلاً دائماً في عيون أبنائه وعيون العالم.