في تحقيق لها حول الأحداث التي شهدتها البصرة في العراق مؤخرا، قالت إحدى الصحف الفرنسية إن مظاهرات الصيف الحالي تميزت ببزوغ جيل جديد من الناشطين العفويين والعنيفين أحيانا، لا يتبعون لزعيم معين ولا ينضوون تحت راية أي حزب ولا يجمعهم سوى تطلعاتهم.
 

فتحتَ وطأة حرارة الصيف ونقص الكهرباء وشح مياه الشرب و البطالة ، عجت شوارع البصرة بآلاف العمال اليوميين والخريجين العاطلين عن العمل والناشطين والمدونين وغيرهم، احتجاجا على تراجع الخدمات واستشراء الفساد، وفقا لصحيفة لوموند.

وتنقل مراسلة الصحيفة الخاصة بالعراق هيلين سالون عن أستاذ العلوم السياسية بجامعة البصرة محمد عطوان قوله إن حراك "جيل 2018" يختلف عن سابقيه إذ إنه متحرر من الأيديولوجيات السياسية والدينية، فلا هو مرتبط بالأفكار القومية الوطنية للرئيس العراقي الراحل صدام حسين ولا بالخطاب الديني الشيعي الذي جسده محمد باقر الصدر ولا بثورة الخميني بإيران.

وعليه فإن عطوان يرى أن هذا الجيل ترعرع في جو ما بعد سقوط صدام حسين 2003، وما تلى ذلك من ثورة في الإنترنت والشبكات الاجتماعية والمجتمع العالمي المفتوح والتعددية الثقافية.

وتتفق المراسلة مع هذا الطرح، إذ تقول إن شعارات ترددت من البصرة إلى النجف مرورا ببغداد كلها، ترفض الأحزاب الدينية الشيعية ونظام المحاصصة الطائفي الذي يسيطر على البلاد منذ عام 2005، كما تخللت تلك المظاهرات شعارات مناهضة لإيران -مثل: " إيران برة"- واتهامات لها بالتدخل في الشؤون الوطنية للعراق من خلال دعم هذه الأحزاب السياسية.

رفض أنصاف الحلول
وتنقل سالون عن المدون الناشط طائف خضير قوله إن أيقونات شيعية اعتاد الناس تقديسها، أصبحوا اليوم يستهجنونها.

أما الصحفي والناشط حسام كعب فيلاحظ أن ثمة تصعيدا في المطالب، إذ لم يعد المتظاهرون -بحسب رأيه- يقبلون بأنصاف الحلول، إنهم يريدون تغييرا جذريا وقد أصبحوا ينظرون إلى الأحزاب السياسية بوصفها "بلاء".

ويرى المتظاهرون أن السياسيين لا يأبهون بمطالبهم وأن كل واحد منهم مشغول بمصالحه الشخصية، ولذلك فإنهم يلفظونهم، وقد فاقم هذا الرفض من قلق الطبقة السياسية الشيعية التي ينبع المحتجون من قاعدتها الانتخابية، كما أظهر وجود استياء واضح في صفوف هذه القاعدة وهو ما عكسته نسبة المشاركة الضعيفة نسبيا خلال الانتخابات التشريعية في 12 مايو/أيار.

ويبدو أن الزمن الذي كان فيه المتطوعون الشيعة ينضمون لمليشيات تقاتل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق -بل حتى في سوريا - قد ولى، ويتساءل متعجبا المتظاهر علي قاسم من البصرة: "ما قيمة كل ذلك الدم الذي أهريق إن لم يكن مجرد تسمين هذه المليشيات والدفاع عن مصالح إيران؟".

ويتفق "جيل 2018" على أن ما يمر به العراق "ثورة"، وبعضهم يدعو إلى إنشاء "نظام رئاسي"، بينما يحن آخرون إلى زمن لم يعيشوه، فيدعون حتى إلى عودة حكم "الرجل القوي" كما كانت الحال أيام صدام حسين.