يتفق المراقبون على أنّ «موقعة ادلب» محطة فاصلة في الحرب السورية. فكما هي آخر حروب النظام فهي كذلك بالنسبة الى بقايا المعارضة. وبالنظر الى ما وراء الطرفين من قوى كبرى فهل تؤجَّل لئلّا تتحوّل «مقبرة» للنظام والمعارضة معاً. كيف ولماذا؟
 

وإن تعددت السيناريوهات المسبَقة بالنظر الى حجم التحضيرات الجارية من قبل جميع الأطراف المتنازعة وعلى كل المستويات فإنها لا تتفق على نهاية واحدة للمعركة.


لم تلتقِ هذه التقارير سوى على حجم ما هو متوقع من ضحايا وتدمير نظراً الى حجم القوى المتجمّعة فيها والتي فاقت وفق بعض التقديرات 30 ألف مسلّح مستعدين للموت، ومتحصّنين بثلاثة ملايين ونصف مليون إنسان محاصر.


إلى شمال المنطقة يقع الشريط الحدودي الذي تسيطر عليه تركيا والميليشيات التي تديرها، ومن غربها الساحل السوري تحت سيطرة الجيش الروسي ومن الشرق القوى الكردية المدعومة أميركيّاً ومن الجنوب الجيش الروسي والقوى الداعمة للنظام.


وما يزيد القلق استحالةً الفرز والتمييز بين المواقع العسكرية والمدنية لتجنيب المدنيّين الويلات. وقد توقفت تقارير عند الاتّهامات الروسية والأميركية المتبادلة حول التحضيرات لدى النظام والمعارضة لخوض حرب كيماوية، وهو ما يوحي بأنّ الطرفين اللّذين يشكلان القوّتين الأكثرَ تأثيراً في مجرى الحرب يخشيان النتائج المتوقعة من أية مواجهة مباشرة قد يُستدرجان اليها لا تُحمد عقباها. وقد قرأت التقارير هذه التهديدات على أنها موجّهة الى حلفائهما مباشرة قبل غيرهم. وذلك كنتيجة محتملة لفقدان سيطرتهما على جميع القوى المنخرطة في الصراع. وكشفت تقارير عن أن حجم الترسانة الأميركية التي باتت في تصرف القوى المدعومة من واشنطن، لا سيما قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد)، فاقت القدرات الروسية المخصّصة لهذه الجبهة. فما نقلته طائرات الشحن الأميركية العملاقة الى قواعدها في الحسكة والقامشلي في الأيام القليلة الماضية، يزيد على الترسانة التي تنقلها الأساطيل الروسية والأميركية التي دخلت المتوسط والخليج العربي.


ورغم هذه القراءة الواضحة للموقفين الأميركي والروسي، تبقى هناك عناصر أخرى لا بد من الإشارة اليها رغم أنها تتناقض وتوجّه الطرفين الى تقديم الحلول السياسية في ظلّ قناعتهما بفقدان الوسائل للوصول الى هذه المرحلة. فالروس أبلغوا كل مَن يعنيه الأمر، أنه ممنوع أن يخرج أيُّ إرهابي من إدلب، في وقت تريد فيه الولايات المتحدة القضاء على الإرهابيين كهدف رئيسي لتمديد وجود القوات الأميركية في المنطقة. ورغم أنّ لكل طرف منهما لائحة بالمنظمات الإرهابية مختلفة عن الأخرى، لكنهما يلتقيان على هوية بعض التنظيمات ويختلفان على أخرى. لكنّ النتيجة واحدة وهي أنّ الجميع في تلك المنطقة مستهدفون.


ومن هذه المعطيات الغامضة والمتناقضة في شكلها ومضمونها تشير التقارير الى تيّار بدأ ينمو بقوة ويعكس توافقاً غير مباشر على تأجيل العملية العسكرية في إدلب الى وقت لم يحدَّد بعد. فالمخاوف المشتركة ممّا ستؤول اليه أية مواجهة محتملة، شكّلت التقاءً غيرَ مباشر يقود الى تجميد أو التريّث في بدء العمليات العسكرية على الأقل. فكل العمليات الجارية حتى اليوم لم تدلّ على أنها تتضمّن تحديدَ ساعة الصفر للعملية الكبرى التي، إن انطلقت، لن تتوقف قبل الوصول الى خواتيمها الغامضة.


ومن هذه النقاط، على دقتها، تنطلق التوقعات بتأجيل الحرب. فإلى المواقف الأميركية والأُممية والتركية التي حذّرت من عملية من هذا النوع، أضيف اليها أمس موقف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف الذي قال «إنّ القتال ضد التنظيمات الإرهابية في إدلب يمكن تأجيلُه». أهمّية هذا الموقف أنه جاء في أعقاب لقاءات جمعت ممثلي الدول الضامنة لعملية أستانا (روسيا وتركيا وإيران) والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في لقاء خُصِّص للوضع في إدلب. وجاء الموقف الروسي الحديث ليتطابق ومواقف إيرانية برزت في الساعات الماضية وتحدثت عن ضرورة التريّث في أيّ عمل عسكري في المنطقة.


عند هذه المواقف المتقاطعة على المخاوف من نتائج مواجهة إدلب، ثمّة مَن يحسم سلفاً مثل هذه المواجهة بتفسير خاص يقول إنّ المواجهة المقبلة أيّاً كان شكلها، وما لم يحصل أيُّ طارئ غير متوقع، ستكون نهاية حتميّة لطرفي الصراع المحليّين، النظام والمعارضة على حدّ سواء. فرغم الحديث عن القوة التي عوَّمت النظام وما رافق استعادته المناطق السورية الحسّاسة، فهو بدون دعم روسي، لا تتوفر له القوة الحاسمة، ويمكن أن يكون عرضة للتغييرات في أيّ لحظة، خصوصاً إن أصرّت الولايات المتحدة ومعها الحلف الدولي على إجراء تعديلات على تركيبة «الحكم الجديد» في سوريا. وما الحديث المتجدّد عن قرب صدور مسودّة الدستور السوري، سوى دليل على ما سيكون عليه شكل النظام المقبل في «سوريا الجديدة» في وقت قد لا يطول كثيراً.