فلاديمير بوتين، "قيصر" ومحظوظ. يجتمع اليوم (الجمعة) في طهران، مع رئيسين ضعيفَين ومأزومَين وبحاجة له. الرئيس حسن روحاني المضيف، يشارك في القمة المهمة، وفكره سيكون مشغولاً بالسعر الجديد للريال، ومدى انهياره، بعد أن أقفل سوق الخميس على انهيار قياسي وصل الى 15 ألف ريال للدولار الواحد. بدوره سيكون الرئيس رجب طيب أردوغان مضطراً لمعرفة السعر الجديد لليرة بعد الانهيارات السابقة.

الأسوأ من كل ذلك، التضارب الواسع والعميق في المواقف حول إدلب ومعركتها. في الوقت الذي يتّفق فيه روحاني مع بوتين حول الإسراع في الحسم للتفرغ لمواجهة الرئيس دونالد ترامب، فإن أردوغان يقف متمهّلاً ومتردداً، لأن حساباته مختلفة جداً. إذا سقطت إدلب، تصبح الحاجة له قريبة من الصفر، فيفقد بذلك ورقة مهمة في مواجهة دونالد ترامب. لن يعود الأخير مضطراً لمراعاته ولو بالقدر القليل في سوريا وفي مسائل أخرى. رغم ذلك لن تكون مهمة بوتين سهلة لأن الضعيف لا يُعطي بسهولة، حتى لا يتعرى في وقت يقترب فيه "صقيع شتاء" الأزمات الاقتصادية.

الرئيس التركي، بإمكانه المقاومة أكثر من نظيره الإيراني، فهو لا يعاني من أزمة حكم، بعد أن أصبح النظام رئاسياً. إنه مطلق اليدين، لذلك يتعامل مع انهيار الليرة بهدوء. ما يساعده في ذلك هدوء الشعب التركي الذي التزم في عدم الانهيار النفسي والتعامل بهدوء مع تقلّب سعر الصرف.

أمّا الرئيس الإيراني، فـ"حالته كما يقال حالة". الحرب عليه، على عدّة جبهات أقساها وأمرّها أنّه ليس مُطلق اليدين. بالعكس الهجوم عليه وهو الذي لا يملك القرار النهائي، يزداد قوة وشراسة في كل مرة بدت "خلافة" المرشد آية الله علي خامنئي قاب قوسين.

الجبهة الوحيدة المطمئنة له وللإيرانيين، "عدم وجود احتمال وقوع حرب عسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية" كما طمأن المرشد الجميع.

ربما الحرب الخارجية أهون شرّاً من "الحروب" الداخلية، أمرّ ما في هذه "الحروب" أن الخصوم يتكاثرون دون حصر لمواقعهم وتوجهاتهم. مَن كان بالأمس حليفاً، يصبح اليوم خصماً شرساً.

وما ذلك سوى لأنّ "البلاد تخسر قوتها الاقتصادية والرأي العام كل يوم"، كما قال النائب الإصلاحي غلام رضا حيدري. لذلك لا يعرف أحد في إيران من "كرمليين" السلطة (حيث تقوم مباني السلطات الثلاث الرئاسية والتشريعية والقضائية)، وصعوداً الى الشمال، ونزولاً الى جنوب طهران، متى وكيف سيكون انفجار الشارع. ما يؤشر الى ذلك، أن "عباءة" المرشد لم تعد تستر المداولات والاتهامات المتبادلة. المستور لم يعد مستوراً. كل شيء أصبح معلناً.

لم يعد الأمر متوقفاً على مواجهة الحاضر، الأهم والأخطر الرجوع الى الماضي والتعامل مع أحداثه المؤسِّسة لما يحصل حالياً. كأنّ في كل ذلك تحضيراً لمراجعة كل مسارات "الجمهورية الإسلامية في إيران".

من ذلك القول إن المقاطعة الاقتصادية بدأت مع احتلال السفارة الأميركية، وأن استمرار الحرب حتى وصل الى أن يشرب الامام الخميني "كأس السمّ، كان خطأ.

الشيخ مهدي كروبي، المحتجز في منزله منذ ثماني سنوات مع زوجته وشريكه مير حسين موسوي، خرج عن كل تحفظاته بعد أن رفض المرشد إطلاق سراحهم. قال كروبي في النظام ما لم يقله أحد قبله منذ ثلاثة عقود، وذلك في رسالة الى اللجنة المركزية لحزبه "اعتماد ملّي". أكد ما كان يقال همساً، أنه "جرى تزوير الدستور عام 1989 لكي يصبح الرئيس علي خامنئي رغم عدم أهليّته الشرعية، مرشداً دائماً. التزوير تناول أيضاً إضافة "المطلقة" على الولاية، وألغت فترة عشر سنوات للوليّ الفقيه، بذلك أمضى خامنئي ثلاثين سنة. ومنح المرشد "حق حل مجلس الشورى" مما جعله يمسك بالقرار التشريعي. باختصار هذه الإضافات صاغت استراتيجية القائد وأوصلت البلاد الى هذه الحالة. كروبي المتقدم بالسن مثل خامنئي ختم رسالته موجهاً كلامه اليه: "ملاك الموت هو الذي يقرّر المصير. إما سنكون نحن من يذهب أولاً أو الآخر" أي خامنئي.

إذن الحرب أصبحت مكشوفة ضد المرشد، والبداية كما يبدو في ضرورة تعديل الدستور الذي جرى تزويره حتى تستمر "الجمهورية"، التي استباحتها "عصابات المافيا خلف ستار المؤسسات المالية وتهريب السلع والمُدينين الكبار وسوق العمل والذهب والخنق في المسبح" كما قال النائب الإصلاحي غلام رضا حيدري في (إشارة واضحة الى غرق الرئيس هاشمي رفسنجاني).

حرب "الخلافة" مفتوحة، ومعها تغيير نظام "الولاية المطلقة"..