«كأنّ ما أعانيه من أطباع زوجي المنغلق غير المُحاور والمتفرّد بقراراته التي تتعلّق بي وبأولادي لا يكفيني، فتتدخّل والدته بكل شاردة وواردة بتربية التوأم، والنقطة الأصعب في الموضوع هي أنّني مجبَرة على ترك الصّغار معها للذهاب إلى العمل. ستّ ساعات في اليوم برفقة جدّتهما تجعلهما متعلّقين بها، ويبكيان عندما تغادر منزلنا، ما لا يفعلانه عندما أتركهما إلى العمل في الصباح. أنا لا أحتمل الجدّة، لا بل أغار من حبّ أبنائي لها، ولا أريد أن تربّيهم كما ربّت والدهما، هي فاشلة». ما هي حدود علاقة الأجداد بالأحفاد؟ هل يؤثّر تدخّل الأجداد في تربية الأحفاد سلباً؟ كيف يضع الأهل حدّاً لتدخّل الأجداد في النّظام التّربوي لأولادهم؟ وهل يؤدّي تدخّلُ أهل الزوجين إلى مشكلات زوجيّة وعائليّة؟ كيف نتجنّبها؟

«ما أعزّ من الولد إلّا ولد الولد»، عبارة غالباً ما يردّدها الأجداد والجدّات، ويختبِئون وراءَها لارتكاب ما يحلو لهم من المخالفات وخرق القوانين، بما يخصّ النّظام الذي وضعه الأبناء في تربية أولادهم؛ فيتخطّون السّقف المحدّد للمصروف مثلاً، أو يسمحون لهم بساعات أطول في مشاهدة التلفزيون، وتناول الأطعمة غير الصحية الممنوعة من قبل الأهل. ورغم التنبيه المتكرّر بعدم إخبار الأهل، تفضحهم براءة الأطفال وتقع المشكلة وتتأزّم العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة؛ يشعر الأجداد بجرح عميق، بسبب حرص الأبناء على تربية أولادهم، ما يحرج الجميع ويشعر أهل الصغار بالذنب لما تسبّبوا به من خيبة أمل للأجداد (لأمهاتهم وآبائهم).


أحيل الأجداد على التقاعد من مسؤولية تربية أبنائهم، الذين تزوّجوا وأنجبوا، وقد حان وقت الإستمتاع بالحب مع الأحفاد، شاعرين لشدة حبهم وفيض عواطفهم بأنّهم أصحاب القرار، فيصطدمون برفض أبنائهم والحدّ من التدخّل في التربية، لخلق جوٍّ من النّظام من جهة، وغالباً ما يعترض الشّريك على تدخّل أهل شريكه في خصوصيّات العائلة الصغيرة، بالإضافة إلى الرغبة في الإنجاز وتحقيق الذات من خلال تربية ناجحة وصالحة وصحيحة يعيشها الأهل «الجدد».


يحتاج الأحفاد وأهلهم لوجود الأجداد ورعايتهم خاصة في زمن يحتاج فيه الرجل والمرأة لترك المنزل إلى العمل، والجدير بالذكر أنّ الأسباب التي تدفع بالمرأة لترك الأبناء إلى العمل ليست إقتصادية فقط، بل الحاجة إلى الاستقلالية وتحقيق الذات.


لا يختلف إثنان على وجود مشكلة أسرية يسبّبها تدخّل الأجداد في النّظام التربوي لأحفادهم من قبل الأبناء وشركائهم، إلّا أنّ ذاك الرابط العاطفي بين الفرقاء يدعونا إلى وضع خطة للتعاطي تحفظ الإحترام المتبادل والتزام الحدود، خطّة تقوم على أساس الإيجابية والموضوعية في التعاطي، مع المرونة والقدرة على تقبّل الآخر. إليكم بعض الإرشادات حول كيفية التعاطي بين الأهل والأجداد، الدوافع والنتائج.

الأهل

يحتاج الأب والأم لمن يهتم بحضانة أولادهما في غيابهما، بالإضافة إلى محبة أهلهما لأبنائهما، مع عدم إغفال توفير الأموال التي يدفعانها للأشخاص المختصّين برعاية الأطفال. إلّا أن ذلك يستفزّ الشريك الذي يغيب أهله عن الرعاية، فتبدأ الصراعات والاعتراضات بين الزوجين سرّاً، إلّا أنّها تظهر للعيان ويشعر بها الأجداد. كما يشعر هذا الشريك بميل أولاده لأهل الزوج (الزوجة)، فيحاول التأثير السلبي عليهم دون جدوى، فيشعر كأنّه غريب مقابل شريكه وأولاده وأهله. وينعكس الانزعاج شكوى وسلبية على العلاقة الزوجية، فتسود أحياناً البرودة والبعد وقد يصل الزوجان إلى الانفصال الضمني. وكلّما زادت ضغوطات الحياة، كلّما ارتفعت الهوّة بينهما بحجّة تدخّل الأجداد. ومن ناحية أخرى، يحتاج الأهل الجدد إلى إنجاح مشروعهم ألا وهو تربية الأبناء بحسب نظام حياتي يرونه الأنسب.

الأجداد

لدى الأجداد فيضٌ من العاطفة وحاجة ماسّة للحب يترجمونها بعلاقتهم مع الأحفاد الذين يشكّلون امتداداً لنسلهم، في تلك العلاقة التي تخلو من مسؤولية التربية والالتزامات والضغوط. يعيشون عصراً ذهبيّاً معهم، يلعبون معهم ويلهون كأنّهم أطفال، ويشعرون بسعادة لا توصف. كل ما يقومون به هو التدليل، إلّا أنّهم يخرقون القوانين التي وضعها الأهل. رعاية الأجداد للأحفاد تبعدهم عن الرّصانة والشكليّات، وعن الشعور بالعزلة، ما يعيد إليهم أهمّية الدور الذي يلعبونه والثقة بالنفس وتقدير الذات.


عندما يفهم كل فريق حاجات ودوافع الآخر، وأسباب تصرّفاته وانفعالاته، تخفّ حدّة الغضب والنّزاع، وبالتالي التفرقة. فلو يفهم الأبناء أنّ تدخّل الأهل هو بدافع المحبّة، والظن بأنّ لديهم خبرة أهمّ من خبرتهم في الحياة والتربية، ويتمكّن الأهل من تفهّم واستيعاب قلق أبنائهم، فيضع كل فريق نفسه في مكان الآخر، مع القدرة على التعبير عن المشاعر، من خلال الحوار والنّقاش الإيجابي، مع تجنّب الأذيّة.


الأهل أفضل بكثير من العاملة المنزلية في رعاية الأبناء، لا بل لا مجال للمقارنة بين الإثنين، وهم جزء أساس من العائلة، ووجودهم في منازل أبنائهم حسّاس جدّاً، فلا بأس من مناقشة الضوابط المفروضة على الأبناء معهم، وتخفيفها أحياناً لو رغبوا بذلك. كما أنّه يتوجّب على الأجداد عدم خرق نظام العائلة، وقواعدها، وعدم سلب دور الأهل في تربية أولادهم.