أصبح تشكيل الحكومة خاضعاً لمعادلات تحالفية جديدة يستشرفها بعض المطّلعين. ليس تفصيلاً الموقف السنّي الموحد المدعوم من دار الفتوى، والذي يؤيد الرئيس المكلف سعد الحريري وخياراته، ويرفض المس بصلاحياته أو الالتفاف عليه. ولا ينفصل هذا عن تصعيد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، حكومياً وضد النظام السوري. وهناك من يقرأ ما يجري من تصعيد وتجاذب في لبنان ربطاً بالعلاقة مع النظام السوري بما يطال ارتسامات جديدة لمحور قيد النشوء، ويقوم على أساس تحالف يهودي علوي، برعاية روسية، في مقابل أن ينضم إليه بعض المسيحيين في لبنان من حلفاء النظام، بينما تجري محاولات تطويع الدروز في لبنان وتقويضهم، وترهيبهم في السويداء، إما لإخضاعهم أو لتهجيرهم. وربما نظرية عدم وجود خلاف عقائدي ووجودي مع إسرائيل التي أطلقها أحد رئيس أحد التيارات المسيحية الكبيرة في لبنان قبل فترة، كانت قراءة موضوعية لما يجري من تطورات، واستشرافاً لما تحمله الأيام المقبلة.

يمكن قراءة موقف جنبلاط بأنه الأوضح الذي يشير إلى هذه الهواجس، خصوصاً في كلمته التضامنية مع أهالي السويداء، والتي أشار فيها إلى أن النظام يريد إحراقهم لإغراقهم في أتون حروبه في إدلب، وبذلك يكون قد طوّعهم واستخدمهم. أما في حال عدم انصياعهم فيرتبط بما قاله جنبلاط من هواجس بشأن احتمال تهجيرهم على غرار تهجير أكثرية الشعب السوري وتثبيت التغيير الديموغرافي الذي شهدته الجغرافيا السورية طوال السنوات الفائتة. وهذا أيضاً ما أراد الرجل الرمي إليه في إشارته إلى أهمية الدور الروسي لحماية أهالي السويداء للحفاظ على شعرة معاوية معهم. لكن، عملياً، فإن عدم دخول الروس على خطّ لجم أي تطورات من هذا النوع، فهذا يعني أن مسار التحالف العلوي اليهودي سيحقق مزيداً من النفاط. وربما تندرج زيارة النائب تيمور جنبلاط إلى موسكو في إطار استشراف الموقف الروسي، والبناء للمرحلة المقبلة على ما يمكن استنباطه من موسكو. وهذا ما يبرر تصعيد جنبلاط ضد النظام السوري، وضد محاولات تطويقه حكومياً. وهو ما يعزز التقارب بينه وبين الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

هي نظرية تحالف الأقليات التي يعاد إحياؤها، بعد تطويع "سّنة المنطقة" المهددين بالنفوذ الإيراني، وغير المتفرغين لمواجهة إسرائيل والقضاء على القضية الفلسطينية. وتتعزز أكثر بعد تهجير أغلبية الشعب السوري، والقضاء على الثورة السورية، وإعادة تعويم النظام وتطبيع العلاقات معه من قبل الدول. وهذا كله يحصل بالاستناد إلى الدعمين الروسي والإيراني. وأكثر ما يتخوف منه المطّلعون هو أن ينسحب هذا التحالف على إيران، بناء على معطيات تفاوضية، قد تدفع طهران إلى تقديم تنازلات، في مجالات كثيرة، لقاء الحفاظ على موقعها ودورها ومناطق نفوذها في سوريا، على غرار تقديمها التنازل الأساسي في الجنوب السوري وحماية إسرائيل، بإحياء اتفاقية الهدنة واتفاق العام 1974. وثمة من يربط بين اتفاق الجنوب السوري، والاتفاق الذي حصل في جنوب لبنان في العام 2006، وصدر بموجبه القرار 1701. ومنذ ذلك الوقت أصبح الجنوب هادئاً، وشمال الأراضي المحتلة آمناً.

ما يجري نظرياً وسياسياً ليس بعيداً مما سيجري في الميدان بعد، وتحديداً في اتجاه الشمال السوري، والإعداد المرتقب لمعركة إدلب، والتي تحاول تركيا منع حصولها والإحتفاظ بمناطق نفوذها فيها. بينما هناك من يعتبر أن النظام السوري وإيران، بدعم روسي أيضاً، قد يتجهان إلى فتح المعركة العسكرية، بما يتعارض مع النفوذ التركي، في إطار تقويض منطقة النفوذ التركية، أو تركها مجالاً للمفاوضات مع أنقرة، لقاء تقديمها تنازلات في مجالات ومناطق أخرى.

تتحدث بعض الشخصيات بيقين عن نشوء هذا التحالف اليهودي العلوي، والقابل لأن ينضم إليه جزء من الدروز وإيران، بناء على مغريات ومكتسبات. ومن شأن ذلك أن ينسحب ويؤثر على التطورات السياسية في المنطقة، ولبنان لن يكون بمنأى عنها. ولكن، لا شك أن هناك محاولات للبحث عن آفاق مواجهة هذا التحالف ومخاطره السياسية والجيوستراتيجية، إنما من دون وجود أي وضوح لهذه المواجهة، خصوصاً في ظل استمرار الأزمة الخليجية، والتردّي في علاقات بعض دول الخليج مع تركيا. ما يسهم في ضعضعة موقف هذا المحور، ويخدم المحور الروسي الإيراني، القادر على الاستثمار في نقاط القوة لديه، وتقديمها على طاولة التفاوض مع أميركا والغرب.

هناك من يشير إلى أن بوادر التآلف السنّي على تناقضاته في لبنان حول دعم موقف الحريري وصلاحياته في تشكيل الحكومة، لم يأت من فراغ، بل بإيحاءات خارجية، لكن حتى الآن ليس معلوماً ما مدى صمود هؤلاء على الموقف ذاته، وليست واضحة قدرة الحريري على الاستمرار في الصمود على موقفه وعدم تقديم أي تنازل، في ظل غياب أي رؤية خارجية واسعة لتعزيز أفق المواجهة. وربما هذا الموقف السني "الجامع" هو ما دفع بعض حلفاء النظام السوري إلى فتح النار على الرئيس نجيب ميقاتي وكشف بعض ملفاته. بينما الحريري قد يضطر إلى تقديم تنازلات جديدة، في حال عدم وجود رؤية أو أفق واضح للمواجهة، خوفاً من أن ينتهز الفرصة سنّي غيره يذهب إلى الانتماء للحلف الجديد، ويقطف رئاسة الحكومة، كما فعل ميقاتي في العام 2010.