إستحوَذ المقترَح الروسي الهادف إلى تأمين عودة النازحين السوريين إلى وطنهم على الاهتمام اللبناني، خصوصاً أنّها تكاد تكون المبادرة الدولية الأولى من نوعها، سواء لجهة طاقتها الاستيعابية المفترضة، كونها تحاكي أعداداً كبيرة من النازحين، أو لجهةِ حصانتها السياسية في ظلّ وجود تجاوبٍ أميركي معها وكلامٍ حول احتمال تشكيل لجنة روسية - أميركية - لبنانية لترتيب العودة، فهل يَسلك هذا الملف دربَ الحلّ بقوّةِ دفعٍ من «الدب الروسي» و«الكاوبوي الأميركي»، أم ستتقاذفه أقدامُهما ومصالحُهما؟
 

وكان لافتاً أنّ الرئيس سعد الحريري سارَع إلى تلقّفِ المبادرة، وأوفَد مستشارَه جورج شعبان «على الحامي» إلى موسكو لتقفّي أثرها، مبدياً ارتياحه إليها وهو الذي يفترض أنّ نافذةً دولية من هذا النوع ستعفيه من مرارة طَرقِ بابِ النظام السوري مباشرةً، وبالتالي ستسمح بتأمين عودة النازحين من خلال «الخط العسكري» الروسي.


يريد الحريري في هذه اللحظة أن يتفيّأ بمظلة موسكو، لعلّها تقيه حرارة التحوّلات في مسار الحرب السورية، مع تمكّنِ دمشق وحلفائها من تحقيق انتصارات ميدانية متلاحقة على جبهات استراتيجية، وإمساكِها مجدداً بزمام المعابر السياسية والجغرافية مع دول الجوار، ومِن بينها لبنان.


لا يزال الحريري يحاول حتى الآن تفادي تسديد فاتورة موازين القوى المعدّلة في سوريا، مقاوماً الضغوط التي يتعرّض لها من حلفاء دمشق وأصدقائها اللبنانيين، لتقبّلِ الواقع والعمل بمقتضاه، بمعزلٍ عن وجهة عواطفه. والأرجح، أنّ هذه الضغوط ستزداد في المرحلة المقبلة تحت وطأة الضرورة الحيوية لمعالجة أزمةِ النازحين من جهة، وحاجة الاقتصاد اللبناني الملحّة إلى تنشّقِ هواءٍ عربي عبر الرئة السورية، خصوصاً بعد استعادة السيطرة على معبر نصيب، من جهة أخرى.


حتى الآن، يفضّل الحريري اعتماد سياسة شراء الوقت، على رغم كِلفتها المرتفعة. أقصى ما يستطيع رئيس تيار»المستقبل» فِعله في المرحلة الراهنة هو غضُّ الطرفِ عن الخطوط التي يفتحها بعض شركائه في السلطة مع دمشق «على حسابهم»، وتقبّل الدور الذي يؤدّيه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم على مستوى التواصل مع الأجهزة الرسمية السورية، سواء بصفته الأمنية أو في اعتباره موفداً رئاسياً من قبَل رئيس الجمهورية ميشال عون.


وليس معروفاً إلى متى ستظلّ هذه المعادلة قابلة للاستعمال، خصوصاً أنّ هناك فريقاً أساسياً في لبنان بات يعتبر أنّها أصبحت منتهية الصلاحية والمفعول ولم تعد كافية لمواكبة التطوّرات المستجدة على صعيد الوضع السوري.


وفي انتظار اختبار قدرةِ الحكومة المقبلة على حسمِ الخلاف الداخلي حول هذه المسألة طبقاً لِما تقتضيه المصلحة اللبنانية، أبلغَت مصادر واسعة الاطّلاع في وزارة الخارجية إلى «الجمهورية» أنّ التحرّك الدولي المستجد في اتّجاه معالجة أزمةِ النازحين هو في جانب منه نتاجُ الجهد الحثيث الذي بَذله الوزير جبران باسيل لدفعِ عواصم القرار الى تحمّلِ مسؤولياتها. وتضيف المصادر: لقد سعت الديبلوماسية اللبنانية لكي تكون المبادرة الروسية هذه مانحةً غطاءً أكبرَ للعودة ومساهِمةً في تسريع وتيرتها.


وتعليقاً على قول رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنّ زيارة باسيل إلى الولايات المتحدة هي فرصة ليناقش الأميركيين في ضرورة إعطاء الأولوية لعودة النازحين الموجودين في لبنان، تؤكّد مصادر «الخارجية» أنّ باسيل لم يكن ينتظر تلك الزيارة لتثبيتِ هذه الأولوية، «وهو ليس من النوع الذي ينتظر أن يأتي الحدث من الخارج حتى يتحرّك، بل إنّ ملفّ النازحين كان ولا يزال الهمَّ الأساسي والخُبز اليومي للديبلوماسية اللبنانية التي ساهمت في صنع الحدثِ ولم تكتفِ بالانتظار».


وتشدّد مصادر «الخارجية» على أنّ التواصل اللبناني الرسمي مع دمشق قائم، وهو سيزداد وسيتعزّز في المرحلة المقبلة، بحكمِ موجبات الواقع المتزايدة من جهة، وبحكمِ المبادرة الروسية من جهة أخرى، «أمّا بالنسبة إلى المعترضين على ذلك من اللبنانيين فإنّ مَن يرضى بالتعاون مع روسيا فهذا معناه أنه يَقبل ضِمناً بالنظام في سوريا، خصوصاً أنّ هناك تحالفاً وثيقاً واستراتيجياً بين موسكو ودمشق».


وتشير المصادر إلى أنّ التواصل بين لبنان وروسيا قائم كذلك، كاشفةً عن أنه سيتّخذ شكلاً جديداً يناسب مقتضيات التعاون في ملف النزوح «ونحن جاهزون أيضاً للعمل مع الأمم المتحدة وواشنطن، طالما إنّ كلّ الروافد تصبّ، في نهاية المطاف، في خانة عودة النازحين وتخفيف الأعباءِ عن اللبنانيين».