مخططات بري البقاعية في المستقبل القريب ستُعرقل قيام مشروع زعامة جميل السيد في تلك المنطقة
 

تغريدة على حساب النائب جميل السيد في تويتر أعادت خلط الأوراق السياسية في الساحة الشيعية وفتحت باب التأويلات على مصراعيه، وكانت كفيلة بإبراز الكم الهائل من المشاكل المتراكمة والمخفية بين أبناء المحور الواحد .
فاللواء السيد بتغريدته هدف إلى توجيه أكثر من رسالة لمن يعنيهم الأمر، داخل الطائفة الشيعية بالتحديد.

وإن كان الهدف الأساسي من التغريدة كما هو واضح رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إلاّ أنّه أعاد تسليط الضوء على قضية مناطقية يختلف عليها أهل البقاع والجنوب.

لكن كثر وضعوا تغريدة جميل السيد في إطار أنّه طامح وطامع بمركز رئاسة مجلس النواب، وهو هدف مشروع لا شك لأي نائب شيعي ضمن الأعراف الدستورية اللبنانية، وهو سبق أن تحدّث قبل الإنتخابات النيابية أن من حقّ البقاع أن يكون من حصته رئيس مجلس النواب لكنه في الوقت عينه أعلن حينها وأقسم على أنّه سيُصوّت لبري في إنتخابات رئاسة المجلس.

بالأمس، قال السيد أن هدفه ليس رئاسة مجلس النواب، وهو صادق بقوله في هذه الفترة لعدّة إعتبارات أهمها وهو الإعتبار الأكثر منطقيًا أن الرئيس بري سيكون رئيس للمجلس الحالي للسنوات الأربع المقبلة ولن يكون بمقدور السيد منافسته على هذا المركز في هذه الْمُدَّة الزمنية وحتى لو جرى إنتخابات جديدة لرئاسة المجلس النيابي الحالي، فإن موازين القوى ليست لصالح جميل السيد داخل قبّة البرلمان، حيث أنّه لن ينال سوى أصوات تكتل "لبنان القوي" (٢٩ نائباً) وتكتل "الوفاء للمقاومة" (١٣ نائباً) في حال إفترضنا وجود نيّة واضحة لدى "حزب الله" لخوض هذه المغامرة، وهذه النيّة من سابع المستحيلات وجودها حالياً.

إقرأ أيضًا: صور تستحق الأفضل ... المدينة التي تجمع بين العراقة والحداثة

 

بالمقابل سينال نبيه بري أصوات باقي الكتل النيابية نكايةً بجميل السيد، ومعه الأكثرية في هذا المجال.

لذلك يُدرك جميل السيد أن أي معركة لها ظروفها كما قال هو في مؤتمره بالأمس، وهذه الظروف سواء على صعيد الأرقام أو السياسة ليست لصالحه، وبالتالي سيخسر وهو لن يغامر في الدخول بمعركة خاسرة، ما يفرض إستبعاد وجود هذا الطرح من أساسه.

إذن، ما هي القطبة المخفية في توتر العلاقات بين الرئيس واللواء؟ ولماذا هذا الجفاء بين الرجلين؟

بطبعي أكره نظريات المؤامرة ومن يُنظّر لها، وفي توصيف المشهد الحالي أنا أستبعد وجود أي مؤامرة تُحاك على الرئيس بري، سواء داخلياً أو خارجياً، ولو وُجدت هذه المؤامرة فلماذا تم إعادة إنتخابه رئيساً للمجلس النيابي مرة جديدة بعد إنتخابات شهدت تحالف وثيق بين حركة أمل وحزب الله؟

وبالتالي تسقط نظرية المؤامرة بالحدّ الأدنى عند هذا الإعتبار، لتتصدّر المشهد أسباب أخرى ساهمت ولا زالت في تردّي هذه العلاقة.

وأهمّ هذه الأسباب هو من سيُسيطر على زعامة البقاع؟

في المؤتمر الأخير لجميل السيد نفى هذا الإحتمال، لكنه لم يكن صادقاً في نفيه، فهمّه هو بناء زعامة بقاعية شبيهة بزعامة نبيه بري الجنوبية بكل بساطة. 

لكن الخطر الذي شعر به السيد هو خطاب الرئيس بري قبل الإنتخابات، حيث برز إهتمام خاص من قبله بالبقاع ووعد بالعديد من المشاريع.

إقرأ أيضًا: عين الجميع على الثلث المعطّل في الحكومة المقبلة

 

وبعد الإنتخابات، رفع بري الصوت عالياً وطالب بالخطة الأمنية ورفع الحرمان عن البقاع ودخول الدولة إلى المنطقة، وتكلَّم على وجه الخصوص عن مشاريع معيّنة كتشريع الحشيشة وإنشاء صندوق البقاع، وكل هذه الوعود كانت قبل تغريدة جميل السيد الأخيرة. 

هذا الكلام ليس تحليلاً خاصاً بي، بل جميل السيد نفسه ذكره بالأمس وقال بعظمة لسانه أن بري حدّثه بعد الإنتخابات مباشرة أي قبل تغريدته الشهيرة عن هذه المشاريع.

في هذه اللحظة بالتحديد، أحسّ النائب جميل السيد بالسخن، وأدرك أن توجهات بري في المرحلة المقبلة هي "البقاع درّ" وهي المنطقة التي إنتُزعت سابقاً من مساحة نفوذ بري السياسية بقوة نفوذ جميل السيد نفسه في زمن التواجد السوري بلبنان.
بمعنى آخر، فإن مخططات بري البقاعية في المستقبل القريب ستُعرقل قيام مشروع زعامة جميل السيد في تلك المنطقة، خصوصاً أن بري يمتلك القدرات الكافية التي ستُسرّع إعادة تكريسه رقماً صعباً في البقاع.

وبمعنى أكثر وضوحاً، فإن هذا الشيء سيُمهّد الأرضية لعودة حركة أمل وإعادة ضخّ الدم البقاعي فيها، خصوصاً أن هذا التنظيم الأخضر قد شهد ولادة مقاومته في عين البنية البقاعية ، وأهل البقاع هم أول من إحتضنوا الإمام المغيّب السيد موسى الصدر.

وتترافق هذه المستجدّات مع مؤتمر "أمل" في أيلول والذي تُشير التوقعات إلى وجود نيّة حقيقية لدى الرئيس بري بالتغيير والمحاسبة، وإعادة التموضع بقاعياً لا شك أنها ستكون الأبرز على جدول أعمال المؤتمر. 
لكن من هو المستفيد الأول من هذا الصراع بين الرئيس واللواء؟

لا شكّ أن أهالي البقاع هم سيستفيدون بالدرجة الأولى، كون بري سيعمل ليل نهار لإرضائهم وسحب البساط من تحت قدمي جميل السيد.

أما المستفيد الثاني فهي حركة أمل ، فهي ستعود لأرضها الأمّ، وإن كان حجم الإستفادة والنجاح سيكبر أكثر في حال تلاقت جهود حركة أمل مع شخصيات شيعية معارضة تُطالب بالإصلاح والتغيير ورفع الحرمان عن المنطقة، وسبقت جميل السيد بأشواط في هذا المجال.