حملته في أحشائها تسعة أشهر، ملكت الدنيا حين ضمته إلى صدرها، سهرت ليالي على راحته، حرمت نفسها من أبسط الأمور لتؤمن متطلباته. اعتبرته عكّازها في كبرها كأي ابن لوالدته، لكن يا للأسف كانت تربي "وحشاً كاسراً" من دون أن تعلم، تهيأ الفرصة وانقضّ عليها، لم يرحم ضعفها. لم تشفع لها سنوات عمرها التي فنتها من أجل أن تمنحه القوة، فكان ردّ الجميل سكيناً طعنه في عنقها، سقطت خديجة ب. أرضاً، بالتأكيد لم تتألم من الطعنة بقدر ما آلمها اليد التي طعنتها، تلك اليد التي طالما أمسكت بها في صغرها وسارت بها على دروب الحياة.

الهدوء يخيم على شارع دار الايتام في الطريق الجديدة، مسرح الجريمة البشعة. الصدمة والحزن يشعر بهما الزائر في كل زاوية، على جدران الابنية ووجوه المارة، فكارثة الخميس الماضي لا تزال تلقي بثقلها على الجميع، جارة الضحية حنان صقر التي تمتلك محلاً للسمانة في المكان ارشدتنا الى منزلها، ليظهر انه في الطبقة الارضية من مبنى ترهّل مع مرور السنين، بالشمع الاحمر ختم بابه، لكن القصة التي دارت خلفه لا يزال صداها يسمع في الارجاء.

تفاصيل الكارثة

في ذلك اليوم المشؤوم" قصد علي (46 سنة) الوالد لفتاتين والذي يعمل سائق سيارة اجرة، منزل والدته (أم سمير) عند الثالثة وعشر دقائق بعد الظهر، ارتكب جريمته، سرق صيغتها ومالها، اطبق الباب خلفه كأن شيئاً لم يكن. عند السادسة والربع، حضر ابنها سامر ليصطحبها الى بيت شقيقته في الجبل، وبينما كان يركن سيارته ومعه ولداه، نزلت زوجته وفتحت الباب على حماتها، لتجدها جثة غارقة بدمائها. بدأت بالصراخ. تجمع الجيران وحضرت القوى الامنية والادلة الجنائية"، وفق ما قالته حنان قبل أن تضيف: "تقرير الطبيب الشرعي اشار الى أن الضحية لفظت أنفاسها عند الخامسة والربع بعد الظهر، أنكر علي بداية أنه زار والدته (77سنة) في ذلك اليوم، متهماً شباب المنطقة بوقوفهم خلف مقتلها، مع العلم انهم من خيرة الناس، معروفون بطيبة قلبهم وأخلاقهم الحميدة، لكن شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي قامت بجهود جبارة، وخلال ساعات استطاعت محاصرة القاتل بالادلة ما دفعه الى الاقرار بارتكابه الجريمة".

سوابق في السرقة

ليست المرة الأولى التي يسرق فيها "المغضوب" كما وصفته حنان والدته. "فقبل سنوات سرق شقيقته، ومنذ شهر سرق 500$ من أمه التي تسكن وحدها بعد وفاة زوجها قبل 5 اشهر، ومع ذلك تكتم أهله على افعاله الشنيعة، لم يبغوا فضح أمره، الى ان ارتكب جريمته، حينها أخرجوا ما في صدورهم"، وشرحت: "بعدما سرق شقيقته توقف اهله عن التواصل معه ومنعوه من زيارتهم، لكنه استغل وفاتها بذبحة قلبية منذ سنة وقام بوساطات لحضور عزائها لتعود المياه الى مجاريها بينه وبينهم"، واضافت: "لدى خديجة (ام سمير) 4 شبان و4 شابات توفيت منهن اثنتان، عاشت في منزل زوجها المؤلف من غرفة واحدة بسعادة، فقد كان يحبها جداً ويدللها، كما أن جميع ابنائها يعطفون عليها سوى المغضوب علي".

رحلت أم سمير المعروفة بدفء لسانها وحبّ جيرانها لها، رحلت من كانت تنادي ابناء الحي بعبارة "يا أمي"، كل من يعرفها بكاها، والدليل كما قالت حنان "حالة الغضب التي عبّر عنها الجميع عندما احضرت القوى الامنية علي لتمثيل جريمته، وكيف بدأ الجميع بشتمته، في الوقت الذي كانت الوقاحة تبدو على وجهه، كأنه لا يخجل من جريمة تأبى الحيوانات ارتكابها، لا بل لدى الحيوان رحمه هو مجرد منها... نريد ان يطبق حكم الاعدام كي يرتدع كل من لديهم نزعه اجرامية، الأمر لم يعد يُحتمل".