على الطريق المفضي إلى سقوط النظام الإيرانيّ، كاحتمال بارز، قد يداهمنا إرهاب يكون للبنان نصيب مؤكّد منه. لغة التهديد بمنع تصدير النفط من المنطقة توحي بالوجهة هذه. وإذا صحّ خبر الشبكة المتّهمة باغتيال معارضين إيرانيّين في الخارج، فإنّه يقطع بالأمر نفسه.

لكنْ دعنا نفترض – وهو افتراض مسنود إلى وقائع باتت معروفة – أنّ النظام المذكور سقط في يوم قريب، وأنّ مواجهته موتَه لم تُجدِ نفعاً. ما الذي يفعله، والحال هذه، حزب الله؟

نتحدّث عن طرفين غير عاديّين، أغلب الظنّ أنّ لاعاديّتهما سبب أساسيّ في نجاحهما معاً حتّى الآن، وفي تكاملهما: حزب الله، قياساً بالأحزاب اللبنانيّة، مسلّح ومقاتل وحديديّ، وهو عقائديّ بالتأكيد، تقف على رأسه زعامة كاريزميّة جدّاً. فوق هذا، هو الحزب الوحيد الطائفيّ والدينيّ في وقت واحد. لكنّه، كذلك، وبفضل المعونات الإيرانيّة، يقدّم خدمات وفرص عمل لجمهوره الواسع، ويلقّن أجيال هذا الجمهور تربيةً وتعليماً يصهرانها فولاذيّاً. إنّه يصنع ما تسمّيه أدبيّات الأحزاب التوتاليتاريّة «إنساناً جديداً».

إيران، قياساً بدول المنطقة وأنظمتها، تحمل برنامجاً لتغيير طبيعة الأشياء، وليس فقط لتغيير الأنظمة: ربط طهران بغزّة وبصنعاء، وإحداث تحويلات ديموغرافيّة ومذهبيّة، على النحو الحاصل في سوريّة، وتزعيم غير العرب على ما يُفترض أنّه قضايا عربيّة، لا سيّما فلسطين...، هذه كلّها من أشكال الفائض الثوريّ – التوسّعيّ لإيران.

سقوط الشطر الإيرانيّ من هذه المعادلة يفضي حتماً إلى سقوط الشطر اللبنانيّ. «إنسان – حزب الله – الجديد» لا ينمو ويترعرع إلاّ مع التغيير الخمينيّ لطبيعة الأشياء. إنّنا، هنا، أمام علاقة السبب بالنتيجة، أو المقدّمة بالاستخلاص المنطقيّ.

مع ذلك، فحزب الله ليس هذا فحسب. هو أيضاً حزب لبنانيّ، استدعت نشأتَه ظروفٌ محلّيّة وإقليميّة تصدّرها احتلال 1982 الإسرائيليّ لبنان، خصوصاً للمناطق المأهولة شيعيّاً. قبل ذلك، تجمّعت مصادر بعيدة وقريبة تؤسّس لهذين الوعي والممارسة: ظاهرة موسى الصدر و «الحرمان» الشيعيّ، والتوتّر الشيعيّ – الفلسطينيّ في المناطق الحدوديّة جنوباً، والاستحواذ على قضيّة الصراع مع إسرائيل بعد تجريد السنّيّة الفلسطينيّة (والعراقيّة الصدّاميّة) منها فيما مصر تسلك طريقاً آخر.

هل يمكن فرز اللبنانيّ - السياسيّ عن الإيرانيّ - العسكريّ في حزب الله؟ مستحيل. لكنْ في حال سقوط النظام الإيرانيّ يتراجع المستحيل إلى سويّة الصعب جدّاً.

هل يستطيع اللبنانيّون من خصوم الحزب، وممّن هم خارج محيطه، أن يجعلوا الصعب جدّاً صعباً فحسب؟ أي أن يجعلوه قابلاً للتفاوض السياسيّ؟ هل يحدث ما يشبه الانعطافات الكبرى التي أقدمت عليها أحزاب شيوعيّة بعد سقوط الاتّحاد السوفياتيّ؟ هل يمكن الأطراف المعنيّة أن تتدخّل كي تسهّل أمراً كهذا؟

هذا السؤال سيُطرح بإلحاح شديد في حال سقوط النظام الخمينيّ، الذي لا بدّ أن يرافقه انحسار للاستثنائيّ وللفائض الراديكاليّ وقدرٌ من رجوع المنطقة إلى العاديّ. العقل والمصلحة يستدعيان من بقية اللبنانيّين التفكير بما يواكب تحوّلاً كهذا. بيتهم الوطنيّ ينبغي أن يتّسع للابن الضالّ إذا قرّر (؟) أن لا ينتحر. فالضلال في ظلّ الرعاية الإيرانيّة يصنع النحر، فيما الضلال من دونها يصنع الانتحار.

وفي تداعي الأسئلة التي لا بدّ أن يُمطرنا بها ذاك اليوم العصيب: هل تكون بقية اللبنانيّين مهيّأين لمناقشة هذه المسألة في حال سقوط النظام الإمبراطوريّ، وهل يناقشون برحابة تستبعد عقليّة الثأر وأحقاد الماضي، مُقرّين بمكانة حزب الله كحزب سياسيّ وشعبيّ يريد، إذا أراد (؟!)، أن يتعافى من ماضي الشقاء المسلّح والحروب القاتلة.