إذا كان الاجتماع بين الرئيس ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قد خفّف من حدة التوتر والتشنّج بين بعبدا ومعراب، إلّا أنّ محاولة ترميم علاقة جعجع مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل تبدو أكثرَ صعوبةً وتعقيداً، في ظلّ النزاع على الأحجام والأوزان.
 

لا ترفض قيادة «التيار» استئناف التواصل مع «القوات اللبنانية» ولا تستبعد احتمال حصول لقاء بين باسيل وجعجع، لكنها تؤكد في الوقت نفسه أنّ ذلك لا يمكن أن يغيّر شيئاً في جوهر الموضوع وهو أنّ كل طرف يجب أن يتمثل في الحكومة الجديدة وفق حجمه.


وعلى هذه القاعدة، انعقد امس لقاء التهدئة الذي جمع باسيل مع وزير الاعلام ملحم رياشي موفدا من جعجع، في حضور النائب ابراهيم كنعان، من دون ان يعني انعقاده حصول خرق سريع وعميق في جدار التباينات بين «التيار» و»القوات». فكان اجتماع ربط النزاع، في انتظار تبيان إمكان معالجته.


ويحرص باسيل في هذا السياق على تمييز «المصالحة التي لم نخرج منها ونتمسك بها عن الحقائق السياسية التي ينبغي ان تبنى عليها علاقة «التيار» و»القوات»، بعيدا من المجاملات والمبالغات في تقدير الاحجام».


وقبل ساعات من لقاء تنفيس الاحتقان، كانت اوساط قيادية في «التيار» تبدي استغرابها سعي البعض الى اختراع معايير غير منطقية في التوزير، «فقط حتى يبرروا مطالبهم المنتفخة»، مشددة على ان القاعدة التي ينبغي اعتمادها في تشكيل الحكومة هي وزير لكل خمسة نواب.


وتعترض أوساط قيادية في «التيار» على محاولة «القوات» اجتزاء «اتفاق معراب» وتطبيقه إنتقائياً، لافتة الى أنّ التفاهم الذي حصل على توزيع الحصص الوزارية لا ينفصل عن التفاهم الأهم المتعلق بدعم العهد «على قاعدةأان نكون كوزراء «تيار» و»قوات» فريقاً واحداً الى جانب رئيس الجمهورية، وهذا ما لم يلتزم به جعجع».


وتعتبر تلك الأوساط أنّ من حقّ «القوات» في المبدأ «أن تختلف معنا وأن لا نتّهمها حين تتمايز عنا أو تعارضنا بأنها تصوّب على العهد، ولكن ليس من حقها أن تخترع ملفات وتفتعل خلافات وتحوّر حقائق وتعيش على كذبة محاربة الفساد، فقط من أجل المزايدة علينا وكسب الشعبية»، وتتساءل هذه الأوساط: «كيف يوفّق جعجع بين إعلانه المتكرّر عن دعمه للعهد وبين الاتّهامات التي توجّهها «القوات» الى وزراء الرئيس بالفساد؟ لقد تبيّن أنّ الجميع في البلد أوادم ونحن فقط الزعران.. يا للعجب!».


لا يوحي باسيل غداة لقاء بعبدا بين عون وجعجع أنه مستعدّ لتقديم تنازلات جوهرية في مفاوضات الأحجام مع «القوات». في الشكل، ربما يكون مستعدّاً للاجتماع مع جعجع ومحاورته على أساس «أنّ المشكلة ليست شخصية بيننا»، أما في المضمون فإنّ رئيس «التيار» لا يزال يتمسّك بمقاربته للمقاييس التي يُفترض اعتمادُها في تأليف الحكومة وتوزيع الحصص الوزارية.


يشعر باسيل أنّ جعجع حاول أن يفرض شروطه على «التيار» عبر استمالة الرئيس سعد الحريري الى جانبه من جهة، والسعي الى تحييد عون من جهة أخرى، «إلّا أنه أخفق في حساباته ولم يعد يوجد مفرّ أمامه من المرور في محطة التفاهم معنا».


ويُنقل عن باسيل قوله: «لا مانع من التواصل بيننا وبين جعجع، ونحن لا نتعامل معه على أساس النكد أو المزاج الشخصي، «وقدّ ما بدكن ممكن نحب بعضنا، بس في الآخر لازم كل واحد منا بدو ياخد حجمو».


ويتابع باسيل: «التيار» «دوبل» تقريباً عن «القوات»، إذ نشكّل وفق نتائج الانتخابات 55 في المئة من أصوات المسيحيين وهم 31 في المئة، ونحن لدينا تكتل يضم 29 نائباً بينما تكتلهم يضم 15 نائباً وربما يصبحون لاحقاً 14.. هذه حقيقة علمية نابعة من الارقام وليس من المزاج، وبالتالي يجب احترام ارادة الناس وخياراتهم، وعلى «القوات» أن تكفّ عن سعيها الى التماثل بنا والإيحاء بأنّ قوتها التمثيلية تعادل تلك التي نملكها».ويضيف: «sorry.. هذا هو الواقع، ولا يمكن أن نساير أو نخدم أحداً على حساب حقوقنا. والغريب أنّ هناك مَن يبيع «القوات» العواطف، لكنه يريد أن يعطيها من حصتنا.. إنهم يريدون أن يحبّوا جعجع من كيسنا وعلى حسابنا.. المغروم سياسياً بجعجع عليه أن يعطيه من حصته ونحن لن نعترض».


ويؤكد باسيل، كما يُنقل عنه، أنه «ليس في مقدور سمير جعجع ووليد جنبلاط كسر معادلة الانتخابات النيابية حتى يفرضوا معادلة أخرى على قياسهما، ويجب أن يكون معلوماً أنّ الحكومة الجديدة هي حكومة نتائج الانتخابات».


ويلفت باسيل الى أنّ تحالف طلال ارسلان - «التيار الحر» نال ثلث اصوات الناخبين في الجبل بينما نال تحالف جنبلاط - «المستقبل» - «القوات» ثلثي الأصوات «ونحن نعترف بهذه النتيجة والمطلوب من جنبلاط أن يعترف بها ايضاً، فلا يتصرّف وكأننا نمثّل صفراً في الجبل، لأنّ هذا غير صحيح، إذ إنّ هناك كتلة فائزة بأربعة نواب، ومن بينهم نائب درزي، وهذه الكتلة ليست مفتعلة بل هي جزء من لائحة خاضت الانتخابات. وانطلاقاً من ذلك، لم يعد جنبلاط حاكم الجبل لوحده، والدروز ليسوا كلهم عنده، ولذا نحن نصرّ على تمثيل ارسلان في الحكومة».


أما بالنسبة الى العلاقة بين الحريري وباسيل، فإنّ المعلومات التي توافرت حول اجتماعهما الاخير بعد برودة، تفيد أنّ الرئيس المكلف أكد حرصه على استمرار العلاقة التحالفية مع «التيار»، معتبراً أنّ هذه هي اولوية لديه، علماً أنّ الأوساط البرتقالية ترى أنّ دعوة الحريري باسيل الى تناول العشاء وتعمّده الاشارة الى هذه الجزئية في الخبر الموزّع، انما يعكس اهتمامه بإعطاء انطباع مفاده أنّ الحرارة عادت الى خطوط التواصل مع رئيس «التيار».


والرجلان اللذان نجحا في إعادة تنشيط علاقتهما السياسية، يواجهان مشكلة من نوع آخر. الحريري يشجّع البرازيل في المونديال بينما باسيل يشجّع فرنسا.. فمَن سيفوز في هذه «المبارزة»؟