ثلاثة عناوين أساسية حملتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارتها إلى لبنان. استمرار الدعم له كمجتمع مضيف للاجئين، أهمية الحفاظ على الاستقرار فيه وتوفير ظروف سياسية تعزز هذا الإستقرار من خلال تشكيل حكومة سريعة، والتعاون المالي والاقتصادي بين لبنان وألمانيا، في ضوء التقارير التي تشير إلى الوضع النقدي والاقتصادي الصعب لبنانياً. والعناوين الثلاثة مترابطة جداً. الاستقرار يرتبط باستمرار التسوية السياسية وتشكيل الحكومة. وهذا ينعكس إيجاباً على حجم المساعدات التي قد يتلقاها لبنان لمساعدته في مواجهة أزمة اللجوء، مع تشجيع المشاريع الاقتصادية بناء على إنجاز العنوانين الأولين. وهنا تكشف المعلومات أن ميركل وعدت لبنان بمزيد من المساعدات والمشاريع الاقتصادية المشتركة، على أن يكون ذلك مرتبطاً بمرحلة ما بعد تشكيل الحكومة.

لا ينفصل موقف ميركل عن موقف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التي أرسلت برقية جوابية على مواقف وزير الخارجية جبران باسيل. اختار الطرفان الوصول إلى حلّ وسط، عبر تحديد أطر وأولويات في كيفية التعامل مع اللاجئين وعودتهم والمناطق التي سيعودون إليها، وكيفية انتهاج ذلك على مراحل. وهذا سينطلق من إعادة تحديد أطر التعاون بين لبنان والمفوضية، من خلال وضع آلية جديدة للتعامل مع هذا الملف. بالتالي، سيتم إجراء مسح شامل للاجئين، بالتعاون بين مديرية الأمن العام اللبنانية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بعد حصول الأمن العام على لوائح بأسماء اللاجئين المسجّلين لدى المفوضية. على أن يتم إجراء تحقيقات ومقارنات بين تلك الأسماء والبيانات التي بحوزة الأمن العام، وتشير إلى حركة هؤلاء عبر المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا.

ومن تثبت حركة تنقلاته بين لبنان وسوريا، سيتم شطب اسمه كلاجئ، وستسحب بطاقة اللجوء منه. وسيشمل المسح المسجّلين في المفوضية لكنهم عاملون. بالتالي من لديه عمل سيتم شطب اسمه أيضاً من لائحة اللجوء، وفق تقسيمين لهؤلاء، لاجئ سياسي وهارب من الحرب، وآخر اقتصادي. على أن يمنح هؤلاء بطاقات إثبات وجود على الأراضي اللبنانية، تكون قابلة للسحب منهم حين ترى الدولة اللبنانية الحاجة إلى ذلك، أو انتفاء حاجة حاملي هذه البطاقة إليها.

نقطة الوسط التي توصلت إليها الخارجية اللبنانية مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، هي أن المفوضية لن تمانع عودة أي لاجئ يرغب بالعودة إلى بلاده، إذا ما ارتأى ذلك مناسباً، شرط عدم عودته بشكل قسري، أي التشديد على العودة الطوعية، مقابل عدم قيامها بأي نشاط كما كانت تريد الخارجية اللبنانية، أي العمل على إقناع هؤلاء اللاجئين بعدم العودة إلى أراضيهم، لأن الظروف غير سانحة وغير آمنة.

انطوت زيارة ميركل على تناقض في الموقف اللبناني الرسمي حيال التعاطي مع ملف اللاجئين. فرئيس الجمهورية ميشال عون أكد وجوب الإسراع في عودة هؤلاء بأسرع وقت ممكن. وهذا ما وافق عليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بينما رئيس الحكومة سعد الحريري بقي على موقفه الثابت الذي يلتقي فيه مع موقف المجتمع الدولي. وهو أنه لا يمكن إعادة اللاجئين في ظل عدم توفير الظروف الآمنة لتلك العودة. عليه، فإن المساعي التي ستبذل للوصول إلى نقطة تلاقٍ بين الموقفين، هي ما ستتكفل به عملية المسح الشامل التي ستجري للاجئين، وآلية تقسيمهم، بحيث يصبح حينها تحديد إمكانية عودة البعض الذين لا يتضررون من جراء عودتهم، ويعودون إلى مناطق خارجة مناطق الاشتباكات، مقابل بقاء المهددين أو الذين لا مكان يعودون إليه إلى مرحلة لاحقة.

هذا من الناحية الرسمية ووفق الموقف المعلن. اما على أرض الواقع، فالعمل حثيث لاستمرار عودة دفعات من اللاجئين إلى الداخل السوري. وهناك دفعة جديدة في عرسال تستعد للعودة بين يوم وآخر، مؤلفة من نحو 3000 شخص، سيعودون إلى بعض قرى القلمون، كالسحل، يبرود، قارة، فليطا ورأس المعرّة. ووفق المعطيات، فإن هؤلاء يعودون لأن لا خطر عليهم من النظام، أو لأن لا إشكالية لديهم من العودة إلى كنف النظام او المناطق التي يسيطر عليها. كما أن البعض منهم لم يخسر منازله. بينما مَن لا يملك منزلاً أو لا يريد العودة إلى كنف النظام، فهو يرفض العودة، من دون توفير شروط آمنة ومساعدات غذائية وإنسانية توفر له ظروف العيش.