اعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون أن حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، هي حكومة العهد الأولى. قال موقفه هذا، بعد تسوية انتخابه رئيساً للجمهورية. بالتالي، فإن التجاذب حيال التشكيلة الحكومية المرتقبة، قد يكون مفهوماً بالنسبة إلى البعض. وهو ما يضعه المحسوبون على العهد في إطار محاولات إفشال عهد عون أو وضع العثرات في طريق انطلاقته. لذلك، يبرز كلام كثير في الكواليس بشأن الضغط لمنع البعض من تحقيق مراميهم. وهو ما يتجلّى في محاولات إحراج الرئيس المكلف سعد الحريري والضغط عليه زمنياً، عبر التلويح بوجوب الالتزام بمهلة زمنية.

يقرأ المعارضون للتسوية في هذا الكلام استمرار محاولات الانقلاب على الطائف. الوزير السابق غازي العريضي يبدو الأكثر صراحة. ويشير إلى أن التيار الوطني الحر بنى حملته الانتخابية على مبدأ تخطّي الطائف بالممارسة السياسية في ظل وجود الرئيس القوي في بعبدا. وهذا كلام له أبعاد كثيرة، يبدي العريضي استغرابه لعدم استثارته مَن يُفترض أن يكونوا ضنينين على الاتفاق. ويذهب العريضي إلى صراحة أوسع، حين يقول إن اتفاق الطائف كلّف 15 سنة حرب أهلية، ومئات آلاف الضحايا والخسائر، ولا يمكن التفريط به نزولاً عند رغبة البعض أو عدم تقدير هواة.

بعد الطائف، انتهى مصطلح "عهد"، وأصبح رئيس الجمهورية يتمتع بولاية رئاسية، لا يمكن أن يُقال عهداً لأن الطائف غيّر الموازين، ورئيس الجمهورية لم يعد حاكماً بموجب الدستور، وعلى الجميع الالتزام بهذا الدستور والتعاطي مع هذا الواقع. كان، قبل الطائف، يُقال عهد رئاسي لأن الرئيس كان حاكماً وهو الذي يعين رئيس الحكومة والوزراء، وهو المسؤول بصلاحيات واسعة عن تعيين المديرين العامين وتسيير شؤون الدولة. حينها كان ذلك عهد الرئيس، أما اليوم فلم يعد للعهد وجود فعلي. وعلى الجميع التعاطي بموجب هذا المنطلق، و"نحن لن نتساهل في مواجهة أي محاولة انقلابية على ما جرى تكريسه في الاتفاق"، يقول العريضي.

يختصر هذا الكلام، حقيقة الاختلاف والانقسام السياسيين في البلد. ولا يظهر ذلك تشكيل الحكومة فحسب، بل حتى في اتخاذ الوزراء بعض القرارات المصيرية، التي يستندون فيها إلى صلتهم برئيس الجمهورية. هنا، ثمّة من يلقي باللائمة على رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يسمح لكثر بتجاوز صلاحياته. القصة أبعد من حصة ووزن. لها علاقة بوجهة البلد وآلية الحكم فية. لذلك، ثمة بذور لقّوة معارضة، بدأت تتنامى وتتشكل لمواجهة محاولات الانقلاب على الطائف. والأهم، أن هذه المحاولات تنطلق من "الفعل والممارسة" وليس من الأقوال. فقبل ولاية عون كانت مواجهة الدفاع عن الطائف إعلامية وخطابية، أما اليوم فأصبحت عملانية. ما يفرض على المتمسكين بالاتفاق العمل على تشكيل جبهة للدفاع عنه.

ينطلق هؤلاء من ممارسة التيار الوطني الحر في عملية تشكيل الحكومة، بعد ما نجح في إحداث الفرز وكسر الأحاديات في قانون الانتخاب. وهناك من يلقي اللوم على فريق رئيس الحكومة، الذي لم يكن على قدر من الوعي لما يحاك. والدليل ظهر في نتائج الانتخابات. استطاع القانون الانتخابي كسر الأحاديات وتشكيل كتل موازية للكتل الكبرى داخل طوائفها، باستثناء تماسك الثنائية الشيعية. واستفادة التيار الوطني الحر من تحالفه مع المستقبل وحزب الله في تعزيز موقعه وتخطّي مسألة وجود كتل مسيحية أخرى خارجة عنه.

ينسحب هذا التكريس على عملية تشكيل الحكومة، التي يبدو مسعى التيار الوطني الحر فيها واضحاً، لمصلحة تأبيد سيطرته وتعزيز أحاديته، من خلال المطالبة بعدد كبير من الوزراء والحقائب، مع التمسك بحصّة لرئيس الجمهورية، ومحاولة الاستحواذ على حقائب أساسية. في مقابل عدم اعطاء القوات اللبنانية الحصّة التي تطالب بها، لعدم تكريس انتصارها النيابي حكومياً. والتمسك باعطاء حقيبة وزارية للنائب طلال ارسلان لا ينفصل عن منطق كسر الأحاديات. واللقاء الذي عقد بين الوزير جبران باسيل وارسلان كان هدفه تمسك الأخير بموقفه. ما يؤدي إلى كسر أحادية الحزب التقدمي الاشتراكي في الحكومة. ويلتقي ذلك مع كسر زعامة المستقبل السنية من خلال الإصرار على توزير شخصين من سنّة 8 آذار.

يسعى بعض الساعين إلى تشكيل جبهة معارضة الإطاحة باتفاق الطائف، إلى الحصول على نحو نصف مقاعد الحكومة: 6 للمستقبل وآخر محسوب على رئيس الحكومة، 5 للقوات، و3 للحزب الاشتراكي. وتحقيق ذلك يبدو من المستحيلات. فيما ما يمكن تحقيقه هو الحصول على ثلث معطّل. في مقابل سعي التيار الوطني الحر إلى الحصول على هذا الثلث مع وزراء حزب الله الثلاثة، أي أن يحصل التيار على 8 وزراء بمعزل عن حصة رئيس الجمهورية. وهذا أيضاً من المستحيلات. والطائف هو الهدف المقبل.

وقد تحركت العجلات لأجل التسريع بالولادة الحكومية، فعُقِدت اللقاءات بين الحريري وممثلين عن مختلف الأفرقاء. وتكشف مصادر لـ"المدن" عن أن العديد من العِقد على صعيد تحديد الأحجام لم تذلل بعد. وهذه سيطرحها الحريري في الساعات المقبلة خلال لقائه رئيس الجمهورية. وتشير المصادر إلى أن البحث بدأ بتناول الحقائب، لكن لم تُحسم بعد، إذ إن الحريري عرض وزارة العمل على سليمان فرنجية، لكنه رفض مطالباً بوزارة الطاقة أو الأشغال أو الاتصالات. أما الوزير علي حسن خليل فكرر مواقف حركة أمل وحزب الله بشأن الحصول على ست حقائب بينها وزارة المال وأخرى أساسية للحزب. أما مع الحزب الإشتراكي فكان اتفاق على منحه 3 وزراء، فيما تبقى مشكلة ارسلان مسألة أخرى وخارج البحث الدرزي، و"ليوزّروه من حصّتهم" على حدّ قول النائب وائل ابو فاعور. وتكشف المصادر أن الحريري عرض على الاشتراكي حقيبتي البيئة والزراعة، فوافق الاشتراكي على الثانية ورفض الأولى مطالباً بوزارة أفضل كالصحة إلى جانب البقاء في التربية. بينما تريد القوات حقيبة سيادية وأخرى خدماتية وثالثة وسطية كالشؤون الاجتماعية ووزارة دولة وحقيبة عادية. وتشير مصادر القوات إلى أن الحريري يسعى إلى حصولها على خمسة مقاعد أيضاً، لكن ذلك سيبقى خاضعاً للنقاش بشأن ماهيّة الحقائب التي ستحصل عليها.